نياحة القديس العظيم الأنبا يوأنس القصير
فى هذا اليوم تنيح القديس الضياء العظيم الايغومانس الأنبا يوأنس القصير ، كان من أهل بتسا بصعيد مصر. وكان وأخ له من أبوين صالحين خائفين الله. ولما بلغ يوأنس الثامنة من عمره تحول قلبه عن أباطيل العالم وشهواته وأمجاده وإشتاق للرهبنة ، فحركته نعمة الله أن يمضى إلى برية شيهيت ، وهناك إهتدى إلى شيخ قديس مجرب ، يقال له أنبا بمويه من البهنسا وسأله أن يسمح له بالاقامة عنده فقال له الشيخ مختبرا: يا إبنى ، انك لا تقدر على الاقامة معنا لأن هذه برية متعبة ، والساكنون فيها يقتاتون من عمل أيديهم فضلا عن الصوم الكثير والصلاة والنوم على الأرض والتقشف ، فإرجع إلى العالم وعش فى التقوى. فقال له الأنبا يوأنس : لا تردنى يا أبى من أجل الله لأني أتيت لأكون تحت طاعتك ، وفى صلاتك ، فإذا قبلتني فإنى أؤمن أن الرب يطيب قلبك على. ولما كان من عادة الأب بمويه أنه لا يعمل بعجلة ، فقد سأل السيد المسيح أن يكشف له أمر هذا الشاب ، فظهر له ملاك الرب قائلا : إقبله فانه سيكون إناء مختارا. فأدخله الأب بمويه وقص شعر رأسه ، وأخذ ثياب الرهبنة ولبث يصلى عليها ثلاثة أيام وثلاث ليال . وعندما ألبسه اياها رأى ملاكا يصلب عليها. وإبتدأ القديس يوأنس بنسك عظيم وأعمال فاضلة . وفى أحد الأيام أراد الأب بمويه أن يمتحنه فطرد من عنده قائلا : لا أقدر أن أسكن معك ، فأقام سبعة أيام خارج باب القلاية . وفى كل يوم كان يخرج الأب بمويه ويقرعه بجريدة نخل . فيسجد له قائلا : أخطأت. وفى اليوم السابع خرج الشيخ قاصدا الكنيسة. فرأى سبعة أكاليل يضعونها على رأس يوأنس. ومن ذلك اليوم صار عنده مكرما مبجلا. وحدث يوما أن الأنبا بمويه وجد عودا يابسا فأعطاه للأنبا يوأنس وقال له :خذ هذا العود واغرسه واسقه. فأطاعه وصار يسقيه كل يوم مرتين وكان الماء يبعد عن سكنهما مقدار إثنى عشر ميلا ، وبعد ثلاث سنين نما العود وصار شجرة مثمرة . فأخذ الشيخ من الثمرة وطاف بها على الشيوخ قائلا : خذوا كلوا من ثمرة الطاعة. ولا تزال هذه الشجرة باقية فى المكان الذى فيه ديره. ومرض الأب بمويه إثنتى عشرة سنة ، وكان الأب يوأنس يخدمه طول هذه المدة ، ولم يسمع من معلمه فى أثنائها قط أنه قصر فى خدمته . لأن القديس بمويه كان شيخا ذا اختبار ، وقد جُرب كثيرا وأضناه المرض حتى صار كالعود اليابس ليكون قربانا مختارا . وعند نياحته جمع الشيوخ وأمسك بيد الأنبا يوأنس وسلمه لهم قائلا : إحتفظوا بهذا فانه ملاك وليس انسانا، وأوصاه أن يقيم فى المكان الذى غرس فيه الشجرة. وبعد هذا أتى أخوه الكبير وترهب عنده وصار هو أيضا راهبا فاضلا.ولما صيروا الأنبا يوأنس قمصا على كنيسته ، حدث أنه لما وضع الأب البطريرك ثاؤفيلس يده على رأسه . أن أتى صوت من السماء سمعه الحاضرون قائلا : مستحق مستحق . مستحق.وقد إمتاز هذا القديس بأنه كان وقت خدمة الأسرار يعرف من يستحق القربان ومن لا يستحقه من المتقدمين للتناول . وكان الأب البطريرك الأنبا ثاؤفيلس قد بنى كنيسة للثلاثة فتية بالاسكندرية . ورغب إحضار أجسادهم ووضعها فيها. فأستحضر القديس يوأنس وكلفه السفر إلى بابل الكلدانيين وإحضار الأجساد المقدسة . و بعد إحجام كثير قبل القيام بهذه المهمة الشاقة ، وخرج من عند البطريرك فحملته سحابة إلى بابل فدخل المدينة وشاهد آثارها وأنهارها وقصورها ووجد أجساد القديسين . ولما شرع فى نقلها من مكانها ، خرج صوت من الأجساد المقدسة يقول له:إن هذه هى إرادة الله. إنهم لا يفارقون هذا المكان إلى يوم القيامة . ولكن لأجل محبة البطريرك ثاؤفيلس وتعبك أيضا ، عليك أن تعرف البطريرك أن يجمع الشعب فى الكنيسة ويأمر بتعمير القناديل ولا يوقدها ، ونحن سنظهر فى الكنيسة بعلامة تعرفونها فى ذلك الحين . فانصرف عائدا الى الآسكندرية وعرف البطريرك بما قاله القديسون . وقد حدث عندما كان البطريرك والشعب بالكنيسة أن القناديل أنارت فجأة فأعطوا مجدا لله. وفى أحد الأيام دخل أحد الرهبان قلاية الأنبا يوأنس . فوجده راقدا وملائكة يروحون عليه.وبعد ذلك أغار البربر على البرية فتركها . وعندما سئل فى ذلك أجاب أنه لم يتركها خوفا من الموت ولكن لئلا يقتله بربرى فيذهب الى الجحيم بسببه . وأنه لا يريد أن يكون فى راحة ، وغيره فى عذاب بسببه . لأنه وإن كان مقاومه فى العبادة إلا أنه أخوه فى الصورة . ثم قصد جبل الأنبا أنطونيوس عند القلزم وسكن بجوار قرية هناك ، فرزقه الله رجلا مؤمنا كان يخدمه. ولما أراد الرب نياحته وإنهاء غربته فى هذا العالم. أرسل إليه قديسيه البارين أبو مقار وأنطونيوس ليعزياه ويعرفاه بانتقاله. فمرض مرضا بسيطا وأرسل الخادم ليأتى إليه بشىء من القرية وكان ذلك ليلة الأحد . فحضرت الملائكة وجماعة القديسين وتسلموا نفسه الطاهرة وصعدوا بها إلى السماء وعندما عاد الخادم رأى نفس القديس و جماعة القديسين يحيطون بها ، والملائكة يرتلون أمامها ، وفى مقدمة الكل واحد منظره مثل الشمس يرتل. ودهش الخادم لهذا المنظر الرائع فأتاه ملاك وعرفه عن إسم كل واحد من القديسين بقوله له : هذا أنبا باخوم ، وهذا أبو مقار ، إلى آخره فقال له الخادم : ومن هذا المتقدم المنير كالشمس ؟ فأجابه : هذا أنطونيوس أبو جميع الرهبان . ولما وصل الخادم إلى المغارة وجد جسد القديس ساجدا إلى الأرض. لأنه أسلم روحه فى حال سجوده. فبكى بكاء عظيم. وأسرع إلى أهل القرية وأعلمهم بما حدث. فحضروا وحملوا جسده المقدس بكرامة عظيمة . وفى دخوله المدينة أجرى الله من جسده عجائب كثيرة.
صلاته تكون معنا . ولربنا المجد دائما أبديا . آمين.