رحيل البابا شنودة رغم حزن الفقد وفجيعة الوداع لكنه فجر فى الأجواء عدداً من ينابيع الندى المصرية وجعلنا جميعاً نتكلم عن وجه مصر الحضارى .. المدنى .. السلمى الذى يعيش فيه المسلم والمسيحى فى شبر واحد ويشربان من نهر واحد ويلتحفان بذات السماء ويحلمان بوطن حر مستقل متقدم قوى خال من الطائفية. رحيل البابا شنودة جعلنا نتذكر ما فعله السادات فيه عندما أراد سحب منصب البطريركية منه ونصب الأنبا صموئيل وأخذه معه فى حادث المنصة وقتل معه فى الحادث وعندما جاء مبارك لم يبادر بفتح صفحة جديدة مع الأقباط المصريين بل جعل الوضع على ما هو عليه أربع سنوات كان فيها البابا شنودة محددة إقامته فى وادى النطرون، مع تكرار عصف النظام به وتحديد إقامته عدة مرات وكان فى مقدوره أن يجأر بالشكوى ويضج ويعبر عن استيائه لكنه أبداً لم يفعل لأنه دوماً كان يعلم أن مجرد غضبه سيثير أبناء الوطن من الأقباط ويفجر أزمات لا سقف لها تذهب بنا جميعاً إلى الجحيم. البابا شنودة كان يعلم متى يتكلم ومتى يصمت فإذا تكلم تبسم وسرت خفة ظله فى المكان لتجعل كل من حوله يحبون الإنصات له ويتمنون لو استمر فى كلامه ساعات، كان نظام مبارك وأمن الدولة يتقنون كل وسائل إثارة الفتنة الطائفية ويلعبون بهذه الورقة طوال ثلاثين عاماً لإحكام سيطرتهم على الشعب وكان ملف بناء الكنائس من الملفات الملتهبة والخط الهمايونى صنع خطاً أو جسراً من الكراهية بين أقباط مصر وأمن الدولة، وعندما اتصل به بعض أقباط المهجر مثل موريس صادق ومن على شاكلته وهو فى رحلة علاج يطلبون مقابلته قال للوسيط مش دول اللى عايزين يفرضوا ولايه أمريكا ولا حمايتها على مصر بحجة حماية الأقباط قل هم أنا هنا مسلم مش قبطى. يا سبحان الله نفس المقولة قالها الأنبا كيرلس للمعتمد البريطانى اللورد كرومر الذى قال له أنا وبريطانيا أقرب لأقباط مصر ونحميكم من مسلميها فقفوا معنا، فأغلق الأنبا الباب فى وجهه وقال له اعتبرنى مسلماً لا قبطياً، ومن ينسى مكرم عبيد فى ساحات المحاكم وهو يستعين بآيات القرآن ويقول «أنا مسيحى العقيدة مسلم الهوى مصرى الهوية وهويتى قبل كل شىء». البابا شنودة رفض ذهاب المسيحيين لبيت المقدس لأنه محتل ورفض التطبيع وكامب ديفيد، وقال «لن ندخل القدس إلا مع إخواننا المسلمين» للأسف غاب عن بعض المتطرفين المصريين وكثير من السلفيين الذين قالوا فى أعقاب الاستفتاء المضروب إياه هذه المعانى حتى إن الشيخ يعقوب سماها غزوة الصناديق وطلب من مسيحيى مصر أن يهاجروا ويتركوا مصر وهو لم يدرس التاريخ ليعرف أنهم بناة هذا الوطن ولهم فيه ما لكل مسلم، وأن الجميع فى المواطنة مصريون، وكما قال البابا شنودة عبارته الخالدة «مصر وطن لا نعيش فيه بل يعيش فينا» لذلك لم أجد أعظم من شعار ثورة 19 «الدين لله والوطن للجميع».