عقيدة الحبل بالعذراء بلا دنس
مقدمة:
عقيدة الحبل بلا دنس فى رأى الكاثوليك أنه تم الحبل بمريم العذراء دون أن ترث الخطية الأصلية من آدم وحواء وكانت هذه النقطة موضوع خلاف بين الفرنسيسكان والدومينيكان، الى أن جاء أحد اللاهوتيين وإسمة سكوت وفض النزاع بنظرية غريبة أطلق عليها "الفداء الإستثنائى بالوقاية" وأثرت هذة النظرية على الفكر الكاثوليكى، حتى أعلنها البابا بيوس التاسع كعقيدة رسمية عام 1854، وبعدها بدأ الكاثوليك بالبحث عن آيات الكتاب المقدس وأقوال الآباء فى مديح العذراء مريم لدعم عقيدتهم.
ويذهب رأى الكنيسة الكاثوليكية إلى التمسك بتلك العقيدة إلى عدة مبررات منها: أن الرب يسوع يجب أن يكون من شجرة غير فاسدة أى من العذراء، وأن المسيح الطاهر يجب أن يكون فى مستودع عذراء طاهرة، والطاهر يخرج بوجه طاهر من أحشاء طاهرة أوجدها هو نفسه طاهرة، فكانت مريم والعذراء والسيد المسيح رمزاً لحواء جديدة وآدم جديد يحملان خطية الجنس البشرى، فيسوع أتم آدم ومريم أتمت حواء وكلاهما رأس البشرية والإثنين إشتركا معاً فى عمل الخلاص، فالمسيح أخذ من التي هي من آدم، من مريم صورة الخليقة الأولى أي صورة آدم قبل الخطيئة ومعلوم أن العذراء لا تستطيع أن تعطيه تلك الصورة ما لم تكن هي نفسها حاصلة عليها بصفتها حواء جديدة، ويقولون بما أن الإنسان الأول الذي أدخل الموت إلى العالم بالمعصية كان قد جبل من تربة منزهة عن كل خطية كان لابد لإبن الله المتأنس أن يولد من عذراء بريئة من كل دنس وخطية.
وهنا نود أن نشير إلى ضرورة التفريق بين:
1- الحبل بيسوع بلا دنس (حبل مريم العذراء بالسيد المسيح)
2- الحبل بالعذراء بلا دنس (حبل حنة زوجة يواقيم بمريم العذراء)
والكنيسة القبطية الأرثوذكسية تؤمن أن الروح القدس قد قدس مستودع العذراء أثناء حبلها بالمسيح. كما قال لها الملاك "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظلك. لذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله". وتقديس الروح القدس لمستودعها، جعلها تحبل بالسيد المسيح بلا دنس الخطية الأصلية. أما العذراء نفسها فقد حبلت بها أمها حنة كسائر الناس حاملة الخطية الأصلية. ولذلك تؤمن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بحبل مريم العذراء بالسيد المسيح بلا دنس، بينما لا تؤمن وترفض حبل حنة زوجة يواقيم بمريم العذراء بلا دنس.
والقول بأن تلك العصمة إستثنائية لمريم وحدها، يتعارض مع عدل الله، ولو كان الأمر هكذا فلماذا لم يمنح الله هذا الإستثناء لأى إمراة منذ آلاف السنين قبل ولادة مريم حتى يتم الخلاص للبشر؟، وما هو ذنب الأطفال التى كانت تموت فور ولادتها أو التى تموت فى عمر صغيرة جداً وتذهب إلى الهاوية قبل صلب المسيح، ولو كانت مريم قد عصمت من الخطيئة الأصلية فلماذا هى وحدها دون باقى العالم؟ أليس هذا يتعارض مع الحرية التى منحها الله للإنسان، ولولا تلك الحرية لمنع الله آدم نفسة منذ البدء من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر.
وعظمة القديسة مريم ترجع أنها هى الإنسانة الوحيدة منذ بدء الخليقة التى تحققت فيها مواصفات العذراء التى تلد عمانوئيل بكامل حريتها ودون علم منها بالتدبير الإلهى المسبق وعاشت فى حياة البر والطهارة الكاملة منذ ولادتها، ولذلك إنتظر الله آلاف السنين حتى جاء ملء الزمان ووجد تلك العذراء المستحقة لحلول الله الكلمة فى أحشائها وأن يتجسد منها بكامل إرادتها أيضاً، لأنه لولا موافقتها وقولها للملاك جبرائيل ليكن لى كقولك، ما كان للتجسد الإلهى أن يتم أيضا.
الخطية الأصلية هى التكوين وتكمن فى كون أن آدم إنسان وهو يمثل كل الإنسان آنذاك، ولذلك كانت خطيئته هي خطيئة كل إنسان خرج من صلبة. والخطية الجدية الأصلية، تمثل حال الطفلة البريئة (مريم العذراء) التى خرجت للنور فوجدت أبيها (آدم) متوفى وهو محمل بالديون، فكان لزاما عليها دفع ديون أبيها، لأن الدين لا يسقط بالتقادم ولا بموت الأب طالما أن له أبناء، ولذلك وجب على الأبناء دفع ديون أبيهم، ولكن لم يوجد من بين أبناء وبنات آدم من هو أهل وقادر على سداد ذلك الدين، وهكذا نقول أن العذراء الطاهرة لم تقترف إثما أو خطيئة، ولكن أتت إلى العالم وهى وارثة خطية أبيها آدم، ومنها تجسد السيد المسيح الذى محا صك الدين بالصليب "إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدّاً لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّراً ايَّاهُ بِالصَّلِيبِ" (كولوسى 2: 14).
وللأسف تناسى الفكر الكاثوليكى أبسط الأمور، وهى أن الله هو الذى يقدس الأشياء بحلولة فيها وليس شرطاً إطلاقاً أن يكون المكان مقدس، بل به تتقدس الأشياء، فعندما ظهر ملاك الرب بلهيب نار فى العليقة لموسى النبى، طلب منه أن يخلع نعلية لأن الأرض التى هو واقف عليها مقدسة (خروج 3: 2-5)، فهل كانت الأرض بطبيعتها أصلاً مقدسة أم لأن الله حل فيها؟
وهكذا وُلد المسيح من إمرأة كانت تحت الناموس وبحلولة إقنومياً فى أحشائها حُبل به بغير دنس الخطية الأصلية. وليس لنا لإثبات بطلان تلك العقيدة أبلغ ما قالة السيد المسيح للكتبة والفريسين:
أيهما أعظم: الذهب (العذراء) أم الهيكل (المسيح)، القربان (العذراء) أم المذبح (المسيح).
فالذهب لا يتقدس إلا بالمذبح، والقربان لا يتقدس إلا بالمذبح، والمذبح والقربان لا يتقدسان إلا بالهيكل.
وكما قال لهم من حلف بالهيكل فقد حلف بكل ما فية المذبح والقربان.
+ (متى 23: 17-25) 17أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ 18وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ! 19أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلْقُرْبَانُ أَمِ الْمَذْبَحُ الَّذِي يُقَدِّسُ الْقُرْبَانَ؟ 20 فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِكُلِّ مَا عَلَيْهِ 21وَمَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ 22وَمَنْ حَلَفَ بِالسَّمَاءِ فَقَدْ حَلَفَ بِعَرْشِ اللَّهِ وَبِالْجَالِسِ عَلَيْهِ!
وهذا التقديس (الخلاص) أعلن عنه بولس الرسول بأنه كان بسفك دم المسيح نفسه الذى تألم وصلب:
(عبرانيين 13: 12) لِذَلِكَ يَسُوعُ أَيْضاً، لِكَيْ يُقَدِّسَ الشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ الْبَابِ.
وهذا الخلاص كان العالم كلة، لأنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِد (رومية 3: 10-12)، الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ (مزمور 14: 3). وكانت العذراء تنتظر أيضاً هذا الخلاص ولذلك قالت في تسبحتها َتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللَّهِ مُخَلِّصِي (لوقا 1: 47)
فكما قيل عن يوحنا المعمدان أنه لم يكن هو النور بل ليشهد للنور (يوحنا 1: 6-9)، هكذا كانت السيدة العذراء مريم، التى ولدت لنا المخلص لكى يؤمن الكل بواسطتها، لم تكن هى المخلص ولا شريكة فى الخلاص بل لتشهد للمخلص، فيسوع المخلص الحقيقى الذى يخلص كل إنسان كان آتيا إلى العالم.
وهكذا لا توافق الكنيسة على أن العذراء حبل بها من أمها حنة بلا دنس الخطية الأصلية كما يؤمن الكاثوليك.