هذه الدعوة واضحة تماماً في كلا العهدين القديم والحديث بمبدأ هام أعلنه القديس بولس الرسول في (عب 5: 4 ) " لا يأخذ أحد هذه الكرامة بنفسه، بل المدعو من الله كما هرون". ومادامت هناك دعوة، إذن العمل ليس للكل.
فلنحاول إذن أن نتتبع التدبير الإلهي في موضوع الكهنوت منذ البدء، من العهد القديم، وسنرى أن الخطة الإلهية هي هى في العهدين لم تتغير. الله "هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد" (عب 13: 8)، " ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1: 17). بل أن السيد المسيح انتقد الأمور التي "لم تكن منذ البدء" (مت 19، مر 10) مما يدل على محبة الله لهذا الذي كان منذ البدء.
[1]إختار الله الأبكار، ليكونوا له، وقال في ذلك " قدس لي كل بكر، كل فاتح رحم إنه لى" (خر 13: 2 ). ونلاحظ هنا ثلاثة أمور:
أ- الله يختار لخدمته من يشاء. هو يعين وليس نحن.
ب- هؤلاء الذين يختارهم هم له، أي نصيبه، نصيب الرب. ولذلك أطلق عليهم كلمة (إكليروس) ومعناها (نصيب) أى نصيب الرب.
St-Takla.org Image: A Jewish High Priest in His Kohen garments and the breastplate
صورة في موقع الأنبا تكلا: رئيس الكهنة اليهودي يرتدي رداء الكهنوت والصدرة التي عليها الأحجار الكريمة |
ج- كان هؤلاء أيضاً (قدس) للرب، مقدسين له.
[2] ثم اختار له هارون وبنيه لخدمة الكهنوت بدلاً من الأبكار، الأشخاص تغيروا، ولكن الكهنوت بقى هو هو نصيب الرب.
ولذلك لم يكن لهم نصيب في تقسيم الأرض، لأن الرب هو نصيبهم، يأكلون مما يعطى للرب. إنهم له.
[3] ولم يكتف الله باختيار هارون وبنيه، وإنما أمر موسى بأن يمسحهم بالدهن المقدس أمام كل الجماعة (لا 8 )
وذلك في محفل مقدس، قدمت فيه ذبيحة للرب، وألبسهم ثياباً مقدسة، أمر الله بصنعها، حسب اختيار الله في كل تفاصيلها " صنعوا الثياب المقدسة التي لهرون، كما أمر الربموسى" (خر 40: 1 ). وقال الرب لموسى:
"وتقدم هرون وبنيه إلى باب خيمة الإجتماع، وتغسلهم، وتلبس هرون الثياب المقدسة، وتمسحه، وتقدسه، ليكهن لى. وتقدم بنيه وتلبسهم أقمصة، وتمسحهم كما مسحت أباهم ليكهنوا لى. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). ويكون ذلك لتصير لهم مسحتهم كهنوتاً أبدياً في أجيالهم" (خر 40: 12-5)
[4] صدقونى إنى أقف هنا منذهلاً، أمام تكريم الله لوكلائه! الله إختار هرون وبنيه ليكهنوا له، ولكنم لم يمكنهم أن يقوموا بعمل الكهنوت، إلا بعد أن مررهم على وكيلهموسى "الأمين على كل بيته" (عدد 12: 7). فقدسهم للرب، ومسحهم بالدهن المقدس، فصارت لهم هذه المسحة كهنوتاً أبدياً..
هل تظنون أن هذا الأمر كان في العهد القديم فقط، بل هو في العهد الجديد أيضاً كما سترون بعد قليل..
[5] نلاحظ أيضاً أنهم صنعوا صفيحة من ذهب نقى، ونقشوا عليها عبارة (قدس للرب) ووضعوها على عمامة هارون من قدام، فتكون على جبهته دائماً، للرضا عنهم أمام الرب" (خر 28: 38).
أى مجرد رؤية هذا الذي صار (قدساً للرب) تجلب الرضاً عن الشعب أمام الله.. ما أعجب إكرام الرب لخدامه..
نلاحظ أيضاً أنه قيل عن ثياب هرون وبنيه إنها مقدسة، إنها للمجد والبهاء، كما قال الرب لموسى "واصنع ثياباً مقدسة لهرون أخيك، للمجد والبهاء. وتكلم جميع حكماء القلوب، الذين ملأتهم روح حكمة، أن يصنعوا ثياب هرون لتقديسه ليكهن لي.. ولبنى هرون تصنع أقمصة، وتصنع لهم مناطق، وتصنع لهم قلانس للمجد والبهاء" (خر 28: 2، 3، 40).
هل تظنون أن الله يهتم بخدام العهد القديم كل هذا الإهتمام، ويسربلهم بالمجد والبهاء، ولا يهتم بخدام العهد الجديد، وهو أفضل؟!
[6]هذه المسحة التي أخذها هرون وبنوه، كان يصحبها حلول الروح القدس، ويظهر ذلك من قول الكتاب " روح السيد الرب على، لأنه مسحنى لأبشر المساكين" (أش 61: 1) فارتبطت المسحة بحلول الروح القدس.
فالمسحة إذن تعطى الروح، وتعطى سلطاناً لممارسة خدمة الكهنوت.
وفى العهد الجديد حل محلها وضع اليد والنفخة المقدسة (يو 20: 22).
وعملية المسحة، تقابل طقس السيامة في العهد الجديد..
[7] خصص الله الكهنوت في جماعة معينة هي هرون وبنوه. ولما احتج قورح وداثان وأبيرام، وأرادوا أن يكون الكهنوت للأمة كلها، على اعتبار أنها "أمة مقدسة" و"مملكة كهنة" قال لهم موسى "غداً يعلن الرب من هو له، ومن المقدس، حتى يقربه إليه. فالذي يختاره يقربه إليه" (عد 16: 5).
لاحظوا هنا وصف موسى للكاهن: (إنه للرب، هو مقدس، يختاره الرب، يقربه إليه). واختار الرب كهنته، وابتلعت الأرض المحتجين المطالبين بتأميم الكهنوت.. وكان درساً للأجيال كلها..
[8] الكهنوت إذن مسحة وإرسالية..