معنى أن الله تجسد أي الله الغير منظور اتخذ له جسداً بشرياً من نفس طبيعتنا البشرية، ومعنى أن الله تأنس أن الله الغير منظور صار إنساناً مثلنا وشابهنا في كل شئ ماخلا الخطية وحدها.. الله الغير منظور أصبح منظوراً في شخص الرب يسوع الذي حلّ بيننا، وقال الإنجيل " والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً " ( يو 1: 14) وعندما حلَّ بيننا تعاملنا معه معاملة محسوسة، وشهد بهذا يوحنا الحبيب " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا " (1يو 1: 1) إن الله تنازل إلى مستوى الحس والإدراك وحلَّ بيننا بصورة منظورة مرئية وكشف عن أسرار الألوهية لأن " الله لم يرهُ أحد قط. الإبن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر " (يو 1: 18).
والحقيقة أن كلمة تجسَّد تعني أنه تأنس أيضاً، فهي من قبيل إطلاق الجزء (الجسد) على الكل (الإنسان) ويقول القديس كيرلس الكبير " نحن نقرُّ بإبن واحد، مسيح واحد، ورب واحد، لأن الكلمة صار جسداً، وإذا قلنا صار جسداً فإنما صار إنساناً " (1).
وعقيدة التجسد في منتهى الأهمية، فبناء على إيماننا الصحيح بالتجسد يتوقف أمر خلاصنا؟.. لماذا؟.. لأن السيد المسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والإنسان، فيقول القديس كيرلس الكبير " فهو (المسيح) يعتبر واحد من إثنين، فهو إبن واحد، قد اجتمعت إليه واتحدت فيه، في شخصه الواحد بطريقة لا تُوصف ولا تُفحص الطبيعتان الإلهية والبشرية لتكوّنا وحدة واحدة بطريقة لا يمكن تصوُّرها، فلهذا السبب أيضاً يعتبر هو الوسيط بين الله والناس، لأنه قد جمع ووحَّد داخل نفسه الشيئين اللذين كانا متباعدين جداً إحداهما عن الآخر، واللذين كان يفصل بينهما هوة عظيمة، أعني اللاهوت والناسوت، فقد أظهرهما مجتمعين ومتحدين في نفسه، وبذلك ربطنا بواسطة نفسه مع الله أبيه " (في الثالوث 1) (1).
وقال القديس كيرلس الأورشليمي انه لا خلاص لنا إن كنا لا نعترف بأن اللاهوت إتحد بالناسوت " فلو كان المسيح هو الله – كما هو كذلك حقاً – دون أن يأخذ لنفسه طبيعة بشرية فإننا نصير غرباء عن الخلاص..ولا خلاص لنا بالمرة إن كنا نرفض الاعتراف بأن اللاهوت فيه متحد بالناسوت " (مقال 12 للموعوظين) (2)
كما قال القديس أثناسيوس الرسولي " طبيعة واحدة الآن واقنوم واحد يجب أن يُقال، ونعترف به، الله الكلمة صار جسداً وصار إنساناً، ومن لايقول هكذا فإنه يُعاند الله ويحارب الآباء القديسين " (3) وقال أيضاً " إن كان واحداً لا يؤمن بالمولود في بيت لحم من مريم العذراء القديسة، انه الله الكلمة تجسد، فليكن محروماً من فمنا آمين " (4).