"أراهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم أربعين يومًا ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع 1: 3) لذلك رتبت الكنيسة أن تدور قراءات قداسات الآحاد في الخماسين المقدسة حول ملكوت الله أي الإيمان بالمسيح ولاهوته والثبات في هذا الإيمان وانتظار حلول الروح القدس، لذلك تقدم لنا الكنيسة في قراءات هذه الفترة المسيح في لاهوته وليس في معجزاته، وكل أناجيل قداسات آحاد الخماسين مأخوذة من إنجيل معلمنا يوحنا البشير الذي يتكلم عن لاهوت المسيح باستفاضة فالمسيح هو خبز الحياة وينبوع الحياة ونور الحياة والطريق والحق والحياة، وهو غالب العالم بقوته الإلهية... الخ. + تبدأ الخماسين بعيد القيامة المجيد ويتكلم إنجيل باكر فيه عن قيامة الرب من بين الأموات (مر16: 2-11) وإنجيل القداس (يو20: 1-18) عن ظهور الرب لمريم المجدلية بعد قيامته. أما إنجيل مساء أحد القيامة (عشية شم النسيم) فيتكلم عن ظهور الرب لتلاميذه المجتمعين في العلية مساء يوم قيامته، حيث دخل إلى العلية والأبواب مغلقة ووقف في وسط تلاميذه الحزانى الخائفين البائسين وقال لهم سلام لكم. ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب وزال عنهم الخوف والحزن واليأس والإحباط وكل أمر رديء.
ثم نفخ في وجوههم وأعطاهم سلطان الحل والربط (السلطان الكهنوتي) (يو 20: 19-23). St-Takla.org Image: Jesus Appears to Thomas - Disciple Thoma puts His hands in Jesus' side صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يظهر لتوما الرسول - توما يضع إصبعه في جنب يسوع |
+ تبدأ الأسابيع السبعة لفترة الخماسين بيوم اثنين شم النسيم swm `nnicim وتنتهي بأحد عيد حلول الروح القدس، وفي الطقس الكنسي يبدأ الأسبوع بيوم الاثنين وينتهي بيوم الأحد حيث قمة قراءات الأسبوع كله.
يذكر ظهور الرب للتلاميذ في الأحد التالي لقيامته، وكان معهم توما الذي لم يكن موجودًا معهم عند الظهور الأول ولما أخبروه عن ظهور الرب لهم شك في الأمر وقال لهم: "إن لم أبصر في يديه أثر المسامير وأضع أصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أؤمن" (يو20: 25) فظهر الرب في هذه المرة لتوما خصيصًا لكي يثبت إيمانه ويريه يديه المثقوبتين وجنبه المطعون، فأعلن توما إيمانه بالرب القائم وقال (ربي وإلهي). والرب يسوع كلي الرحمة والحنان الذي نظر إلى ضعف توما وجاءه خصيصًا ليقويه ويثبت إيمانه هو في نفس الوقت يثبت ويقوي إيمان كل الناس على مر الدهور والأزمان بشخصه وصلبه وقيامته الظافرة بعد أن صنع لنا الفداء العظيم.
أحد توما يسمى أيضًا الأحد الجديد، لأنه أول أحد في العهد الجديد عهد النعمة والنصرة والقيامة من موت الخطية، معلمنا بولس ينصحنا في فصل البولس قائلًا: "... أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور وتتجددوا بروح ذهنكم وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق" (أف 4: 22-24). وأحد توما أو الأحد الجديد من الأعياد السيدية السبعة الصغرى.
يقول رب المجد في إنجيل اليوم "أنا هو خبز الحياة من يقبل إليّ فلن يجوع ومن يؤمن بي فلن يعطش أبدًا".
لكي نثبت في المسيح القائم يجب أن نتغذى باستمرار بجسده المكسور لأجلنا ودمه المسفوك لأجلنا حتى نصير أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه. آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا، لأن خبز الجسد يعوله إلى حين ولا يعطيه حياة أبدية، أما جسد الرب ودمه الأقدسين فيعطيانا حياة أبدية حسب وعده المبارك "من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو6). جسد المسيح ودمه هما العهد الجديد للخلاص، وقد أعطاهما لنا يوم خميس العهد، لذلك يقول مزمور القداس "أرسل خلاصًا لشعبه أمر بعهده إلى الأبد" فسر الشكر يعطي عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه. الأحد الثالث: (يو4: 1-42) المسيح هو ينبوع الحياة
الماء كالطعام من ضروريات الحياة، ولما عطش الشعب وهو في البرية أنبع لهم الرب ماء من صخرة، والصخرة تابعتهم وهي ترمز للمسيح.
قال الرب للمرأة السامرية "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا أما من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا له فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطيه له يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية".
فمياه العالم أي شهواته وملذاته تزيد الإنسان عطشًا ونهمًا أما شخص المسيح ففيه كل الشبع وكل الارتواء، لذلك يقول: "من يعطش فليأت ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجانًا" (رؤ 22: 17). ويقول "أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانًا" (رؤ 21: 6). وقد رأى الرائي "نهرًا صافيًا من ماء حياة لامعًا كبلور خارجًا من عرش الله" (رؤ 22: 1) "قال لهم يسوع: النور معكم زمانًا يسيرًا. فسيروا في النور ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام... ما دام لكم النور آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور... أنا جئت نورًا للعالم حتى ان كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلام" (من إنجيل القداس). عند خروج بني إسرائيل فمن مصر احتاجوا إلى أربعة أمور هامة في طريقهم إلى كنعان وهي: الإيمان: موضوع الأحد الأول من الخماسين
المن (الخبز): موضوع الأحد الثاني من الخماسين
الماء: موضوع الأحد الثالث من الخماسين
النور (عمود النار): موضوع الأحد الرابع من الخماسين
فالقيامة هي مسيرة في النور لأن الذي يسير في الظلام يعثر ويسقط وقد أعطانا الله النور:
- اقتباس :
1- في وجه يسوع المسيح القائم منتصرًا على قوات الظلمة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وهو يقول: "وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور ولا يأتي إلى النور لئلا توبخ أعماله. أما من يفعل الحق فيقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة (يو 3: 19-21). 2- في الكتاب المقدس: لأن الوصية نور والشريعة مصباح والمرنم يقول "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي".
السير في النور هو ملازمة الوصية.
السلوك في النور هو تنفيذ وصية المحبة كما يقول معلمنا يوحنا الرسول "من قال أنه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة. من يحب أخاه يثبت في النور وليس فيه عثرة" (1يو2: 10) الذي يسير في نور الوصية ويلتصق بالمسيح يصبح نورًا كما قال ربنا يسوع المسيح "أنتم نور العالم... فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" (مت 5: 14-16). قال له يسوع: أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي. الرب يسوع المسيح هو الطريق الحقيقي للحياة الأبدية، لأنه ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص وليس بأحد غيره الخلاص (أع 4: 12، 13). المسيح ليس مرشدًا للطريق بل هو الطريق نفسه. هو الطريق الوحيد للحياة الأبدية فلا طريق سواه. هو الحق الكامل الذي لا يشوبه ظلم. هو الحياة الحقيقية فلا حياة بدونه. المسيح هو طريق التائهين والحق للمظلومين والحياة للموتى بالذنوب والخطايا يحتاج السائر في الطريق إلى نور وماء وطعام، والسائر في طريق غربة هذا العالم يجد في المسيح نوره وشبعه وارتواءه حتى يصل إلى شاطئ الأبدية بسلام. St-Takla.org Image: The Ascension - Jesus Taken up Into Heaven |
الأحد الخامس يسبق عيد الصعود مباشرة. حيث صعد الرب رأس الكنيسة إلى السماء ودخل إلى الأقداس وجلس عن يمين أبيه ونحن جسده الذي هو الكنيسة لنا ثقة بالدخول معه إلى الأقداس عينها لذلك يقول البولس "فإذ لنا الآن يا إخوتي ثقة في دخولنا إلى الأقداس بدم يسوع المسيح طريقًا كرسه لنا حديثًا" (عب 10: 19). كل قراءات هذا اليوم تتكلم عن صعود الرب.
مزمور عشية: رتلوا لله الذي صعد إلى السماء.
إنجيل عشية: ولما تمت الأيام لارتفاعه (صعوده) ثبت وجهه للذهاب إلى أورشليم. مزمور باكر: صعد إلى العلا وسبي سبيًا.
إنجيل باكر: وبعد ما كلمهم الرب يسوع ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله.
البولس: بالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد. تبرر في الروح. تراءى لملائكة. بشر به بين الأمم. أومن به في العالم وصعد بالمجد.
الكاثوليكون: الذي صعد إلى السماء فخضعت له الملائكة والسلاطين والقوات.
الإبركسيس: ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة ثم توارى عن عيونهم.
مزمور القداس: ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد.
إنجيل القداس: ثم أخرجهم إلى بيت عينيا ورفع يديه وباركهم، وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأصعد إلى السماء.
إنه ترتيب عجيب وعميق وفي نفس الوقت يبين عمق معرفة الآباء القديسين الذين وضعوا قراءات القطمارس katameooc بالكتاب المقدس بعهديه. فكل مناسبة ينتقون لها القراءات المناسبة جدًا لها من المزامير والأناجيل والرسائل بكل دقة. الصعود تتويج للقيامة كما أن القيامة تتويج للصلب. "صعود المسيح هو تمهيد لصعودنا نحن كما يقول معلمنا بولس الرسول "أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات". (أف 2: 6). صعد الرب لكي يرسل إلى الكنيسة الروح القدس المعزي يمكث فيها إلى الأبد (يو 15: 16) يعمل في أسرارها ويقدس كل إنسان وكل شيء فيها. أوصى الرب يسوع تلاميذه قبل صعوده أن لا يبرحوا أورشليم بل ينتظروا موعد الآب (أع 1: 4) أي حلول الروح القدس. وأطاع التلاميذ الوصية فمكثوا في العلية يصلون صلوات حارة بنفس واحدة طالبين سرعة حلول الروح القدس عليهم، وإنجيل القداس يقول اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملًا، لأن الله يعطي حتى الروح القدس للذين يسألونه (لو11: 13) وفعلًا استجاب الرب لصلوات رسله الأطهار وأرسل لهم الروح القدس بعد عشرة أيام من الصلوات الحارة فحل عليهم مثل ألسنة نار منقسمة على كل واحد منهم". وأعطاهم قوة غلبوا بها الخوف والشيطان وكل الأعداء، لذلك يقول البولس في هذا اليوم: "شكرًا لله الذي أعطانا الغلبة بربنا يسوع المسيح". والرب يسوع المسيح يشجعنا في إنجيل القداس أن نغلب الخوف والضيق بقوله "في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم. ومتى غلبنا العالم وكل شهواته بربنا يسوع المسيح وقوة روحه القدوس يكون لنا فيه سلام وراحة وفرح لا ينطق به ومجيد. كل قراءات هذا اليوم تتكلم عن الروح القدس ومواهبه وبركاته: مزمور عشية: امنحني بهجة خلاصك. وبروح رئاسي (الروح القدس) عضدني. انجيل عشية: ... قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه.مزمور باكر: ترسل روحك فيخلقون. وتجدد وجه الأرض.
إنجيل باكر: ومتى جاء المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم. البولس: وأما من جهة المواهب الروحية (أي مواهب الروح القدس). الكاثوليكون: وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس (الروح القدس). وتعرفون كل شيء،... وهذه المسحة تعلمكم كل شيء وهي صادقة لا كذب فيها. وبحسب ما تعلمكم فاثبتوا. الإبركسيس: فلما حضر يوم الخمسين "كان الجميع معًا بنفس واحدة وصار من السماء بغتة صوت كصوت الريح العاصفة فامتلأ كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم السنة منقسمة مثل النار واستقرت على كل واحد منهم. فامتلأ الجميع من الروح القدس. مزمور القداس: لأن الرب ملك على جميع الأمم (بالروح القدس).
إنجيل القداس: ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من عند أبي روح الحق المنبثق من الآب فهو يشهد لي.
ويوم حلول الروح القدس هو يوم ميلاد الكنيسة، ومنذ حل الروح القدس وحتى الآن هو يعمل في أسرار الكنيسة وبواسطة الأسرار الكنسية ننهل نحن من بركات ونعم الروح القدس فيعمل فينا بقوة ويرشدنا إلى الطريق والحق والحياة الأبدية التي إليها دعينا. عجيب حقًا ترتيب آباء الكنيسة في هذه القراءات فهي تتدرج بالمؤمن من القيامة بالتوبة إلى الثبات في المسيح بالإيمان ثم السير في طريق الملكوت ومعه احتياجاته الضرورية من خبز الحياة وماء الحياة ونور الحياة فيرتفع المسيح ويصعد بعقله وروحه إلى السماء ويعيش حياة النصرة. وأخيرًا يؤهل لحلول الروح القدس عليه والامتلاء منه فيبدأ الاستعداد للخدمة في صوم الرسل الذي هو صوم الخدمة على مثال السيد المسيح الذي حل عليه الروح القدس ثم صام في الجبل وبعد ذلك نزل إلى الخدمة بقوة عظيمة غيرت وجه العالم.