يكتبها الأب منويل بدر - ألمانيا
2015/03/22
-A +A
مدينة القدس
رُويداً رُويداً نقتربُ من جبلِ الزّيتون
فيبدأُ القَلْبُ فينا يَرْقُصُ كالمجنون.
آهِ يا قُدْسُ، يا مدينةَ الحبِّ والسّلام!
لماذا لم تعرفي سلاماً على الدّوام؟
لماذا شُعوبُكِ وبنوكِ دائما حاقِدين
على بعضِهم، بالسِّلاح مُدجَّجين
كأنَّ رُسُلَ السّماءِ والمُبشِّرينَ، وهم عِدَّة
لم يطَأوا أرْضَك ولم تسمعي بالمودَّة؟.
يا أورشليم! يا أورشليم! يا قاتِلَةَ الأنبياء
توبي واقرعي صَدْرَكِ واسمعي لهؤلاء
فالسّلاحُ والمُعسكراتُ الكثيرةُ من حولِك
عاجِلاً أم آجلاً واللهِ من الدّمار لن تَحْمِكِ
آهِ ما أجمل الطّلّةَ عليكِ من جبلِ الزّيتون
ما أوفاها حقّها لا الْكُتّابُ ولا الفنّانون
فأنتِ صورةُ السّماء، مسكنِ اللّــه تعالى
فيك الأنبياءُ والقدِّيسون والملائكةُ تتباهى
رأيناكِ من جبل الزّيتون يا عروسَ المُدُن
روعةٌ أنتِ، أخَذْنَا لكِ صُوَرْ فأنتِ جنَّةُ عَدَن
سُكنانا جاءتْ قريبةً بينَ الطُّور والجسمانيّة
نرى منها الهيْكَلَ والأقصى والأرْوِقةَ السُّليمانيّة
بُرنامجُ الزِّياراتِ حافِلٌ بالشُّروحات والنِّقاط
لا يَتْرُكُ موقِعاً، إبتداءً من وإلى باب الأسباط
نسيرُ على طريقِ الآلام مَرْحلَةً مرحَلَة
تشْرَحُها لنا الكُتُب مَعَنا والدّليلةُ الأرملة.
الدّخول إلى القبر المُقدّس
كلُّ خُطْوةٍ تُقرِّبُنا من القبْرِ المُقدّس
مكانٌ لا أشْهَرَ منهُ بالعالَمِ ولا أقْدس
مَنْ يَقِفُ أمامَه لا يقدِرُ أن يبقى مُتفرِّجا
فَرَهْبَةُ المَدْخَلِ تَهُزُّهُ للصّمتِ يلجأَ
رَهْبَةُ المكانِ تعتريُنا حقّاً في أعماقنا
قبلَ أنْ ندْخُل خاشِعين فاتحين ذراعَنا
أوّلُ الخُطْواتِ هي إلى بلاطَةِ الكَفَن
تُشِعُّ فوقَها ثماني لمبات على الزّمَن
هنا حَنّطتِ النِّسْوَةُ رُفاتَ المسيح
قبل مُواراتِه في القبر ليستريح.
من اليمين نصْعَدُ دَرَجاتِ الجُلْجُلة
ليسْتقْبِلْنا المسيحُ بذراعيه المُهلِّلة
المرْحلَةُ الأولى تُبيِّن قساوَةَ الجُنود
هم رومانٌ يُسمِّرونَه بأمر اليهود
المرحلة الثّانيةُ مُكرَّسةٌ للأُمِّ الحزينة
واقفةً مع يوحنا تبكي دُموعاً ثمينة
المرحلةُ الثّالِثةُ مكانُ ارتِفاع الصّليب
حيثُ أسْلَمَ الرُّوحَ عنّا هو،هو الحبيب
مَنْ لا يهتزُّ له بِدِنٌ ويندَم في هذا المَكان
ويصُرخُ معَ الّلِصِ مغفِرةْ يا ابن الإنسان!
بهذا الشُّعورِ ننْزلُ من اليسار إلى القبرْ
كان حَفَرهُ نيقوديموس لنفسِه في الصّخر
نحني رأسنا لِنَدْخُلْ إليه فالمكانُ رهيبْ
من هنا قامْ فانتشر خبرُ قيامته العجيب
كفانا اليومَ ما شاهَدْنا من إثباتاتٍ للإيمان
رجعنا إلى الفندُقِ خاشِعينَ قبلَ الأذان
القدس عامِرةٌ بالمعالِم والآثار
لمشاهدتها نحتاجُ أكثر من نهار
ابتداءً بقبر أليعازرْ شقيقِ مرثا ومريم
هما اللّتان أغدقتا يسوع دوماً بالكَرم
شَفِقَ عليهما فأقام أخاهما من المَوْت
فأغضبَ اليهود فازدادوا عليه كَيْت
القبرُ لا يزال بشَكْلِه شاهِدا لِلْحَدَث
فلا يجوزُ إنكارَ القيامةِ، هذا عَبَثْ
ليس بعيداً من هُناكَ موقِعُ بيتَ فاجي
مَوْقِعُ جفاف التّينَةِ وقولِه عن الدّجاجِ
الّتي لحماية فِراخِها تَبْسِطُ فوقها جناحيها
وهو مَثَلٌ لليهود، لَيْتَهُم فَهِمُوا ما عنى فيها
دورة الشّعانين - طريق الآلام
هناك تبدأ للذّكرى دورةُ الشَّعانين السّنويّة
مِنَ البِدايَةِ نشترك فيها مع المواطنين سويّة
في ذاتِ المَوْقِعِ نُعرِّج إلى كنيسة الصُّعود
الّتي صارت فَتْرةً جامعاً للنّصارى مسدود
وإلى اليسار كنيسةُ أبانا قبل بدايَةِ الهُبوط
فيها مئآتُ اللّوحاتِ لأبانا حتّى بالخطوط
عن اليمين كنيسةٌ صغيرةٌ بِقُبَّةٍ سوداء
فيها بكى يسوع وقال: مصارُ القدسِ فناء
في بداية وادي قدرون هناك كنيستان
تاريخُهُما عريقٌ وللمسيحيَّةِ مُهمّتان
كنيسة قبر مريم، مكان انتظار الرُّسل
وكنيسة الجسمانية أمِّ الكنائس بالأصل
هناك صلّى يسوع ونادى: أبي اشفَقْ
على أن تكون إرادتُك، بالخطاةِ ارْفَق
بعدها جاء الخائنُ يهوذا قائداً ودليلَ
لحُرّاسٍ من الكهنة أغروه بمال قليل
تقدّمَ إلى يسوع وأعطاهُ قُبْلَةَ الخِيانة
فَتَمّتْ نُبُوَّةُ يسوع به ومات بلا عناية
كبّلوا يسوع واقتادوهُ إلى بيلاطس
الّذي افْتَكَرَهُ للقيصر أكبرَ مُنافس
امتلأَتِ القاعَةُ بالأعداء لحُضورِ المُحاكمة
كَثُرَتِ الشّكاوي عليه لكنَّها ما كانت مُلائِمة.
قال بيلاطٍس: لا أجِدُ عليه مُخالَفةً سِياسيّة
فكلَّ ما قُلتُمْ وقدَّمْتُمْ هي مُشاحناتٌ دينيّة!
خُذوه أنتُمْ إلى قيافا، ذاك الشّيْخِ الجليل
كان رئيسَ الهيكلِ ويفهمُ بِكِتابِ الخليل؟
رجعوا مِنْ عندِ قيافا بمرسومِ مَلِكْ
اقتلهُ! إصلِبْه وإلاّ كلُّ الشّعبِ هلِك.
حمّلوهُ صليباً ثقيلا كأنّه أكبرُ المُجرِمين
واقتادوه وعلى رأسه إكليلُ شوك مُهين.
كانوا جلدوه وأدموا رأسه فخارتْ قِواه
ووقَع على الطريق مرّاتٍ فاستعانوا بسواه
ما أن وصل إلى جبل الجلجلةِ العالي
حتّى سمّروه وصلبوه للسّبب التّالي:
كتبوا فوقه: يسوع النّاصري ملِكُ اليهود!
هي مُؤامرة من الرومان عليهم بلا شُهود.
بعد عذابِ ثلاثِ ساعاتٍ لا يُوصَف
اهتزَّتِ الأرضُ والكون كلٌّه توقَّف
ففارقتْهُ الرّوحُ وعادتْ عند أبيه في السّماء
مُستغْفراً عن خطايا العالم. فاللهُ أرحمُ الرُّحماء
الأمُّ الحزيمة وخبر القيامة
في آخرِ هذهِ اللَّحظاتِ الصّعْبَةِ الأليمة
كانتْ مريمُ تُؤاسيهِ بصَمْتٍ له قيمة
نظَرَ إليها عند أقدامِه لفقدانه باكية
فعزّاها مُشيراً إلى يوحنّا بنظرةٍ مُؤاسية
هذا ابنُكِ فلا تبكي، وأنتِ أُمُّه وأُمُ الجميع
فهم في حمايَتِكِ من الكبير حتّى الّرضيع
خبر القيـامة
الخبرُالمُفرِحُ الكبيرُ جاءَ بعد ثلاثةِ أيّام
ذاع صَداهُ كالبَرْقِ والنّاسُ ما زالتْ نِيام
حجرُ القبرِ الكبيرُ بِقوَّةٍ تَدحْرج
فقام منْهُ المسيحُ، نعم حيّاً خرج
لولا هذا الخبرُ، لولا القِيامة
لانتهى الدّين وعليه السّلامة
أمّا المسيخ فقام حيّاً ونحنُ مَعَهْ
فلهُ مِنّا الشّكْرَ بالرَّحبِ والسِّعة
موضوع: تأملات شعرية من وحي أسبوع الآلام 
الخميس أبريل 09, 2015 5:01 am
