الصوم هو أقدم وصية عرفتها البشرية، فقد كانت الوصية التي أعطاها الله لأبينا آدم، هي أن يمتنع عن الأكل من صنف معين بالذات، من شجرة معينة (تك 2: 16، 17)، بينما يمكن أن يأكل من باقي الأصناف. وبهذا وضع الله حدودًا للجسد لا يتعداها.
فهو ليس مطلق الحرية، يأخذ من كل ما يراه، ومن كل ما يهواه.. بل هناك ما يجب أن يمتنع عنه، أي أن يضبط إرادته من جهته. وهكذا كان علي الإنسان منذ البدء أن يضبط جسده. فقد تكون الشجرة " جيدة للكل، وبهجة للعيون، وشهية للنظر "(تك 3: 60). ومع ذلك يجب الامتناع عنها.
St-Takla.org Image: A man kneeling and praying, black and white clipart |
وبالامتناع عن الأكل، يرتفع الإنسان فوق مستوي والجسد، ويرتفع أيضًا فوق مستوي المادة، وهذه هي حكمة الصوم.
ولو نجح الإنسان الأول في هذا الاختبار، وانتصر علي رغبة جسده في الكل، وانتصر علي حواس جسده التي رأت الشجرة فإذا هي شهية للنظر (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).. لو نجح في تلك التجربة، لكان ذلك برهانًا علي أن روحه قد غلبت شهوات جسده، وحينئذ كان يستحق أن يأكل من شجرة الحياة..
ولكنه انهزم أمام الجسد، فأخذ الجسد سلطانا عليه.
وظل الإنسان يقع في خطايا عديدة من خطايا الجسد، واحدة تلو الأخرى، حتى أصبحت دينونة له أن يسلك حسب الجسد وليس حسب الروح (رو 8: 1).
ولما كان الإنسان الأول قد سقط في خطية الكل من ثمرة محرمة خاضعًا لجسده، لذلك بدا المسيح تجاربه بالانتصار في هذه النقطة بالذات، بالانتصار علي الكل عمومًا حتى المحلل منه. بدأ المسيح خدمته بالصوم، ورفض إغراء الشيطان بالكل لحياة الجسد، أظهر له السيد المسيح أن الإنسان ليس مجرد جسد،، إنما فيه عنصر آخر هو الروح. وطعام الروح هو كل كلمة تخرج من فم الله، فقال له:
"ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (متي 4:4).
ولم تكن هذه قاعدة روحية جديدة، أتي بها العهد الجديد، إنما كانت وصية قديمة أعطيت للإنسان في أول شريعة مكتوبة (تث 8: 3).