تأملات فى عيد الختان
الختان فى العهد القديم ...
كانت عادة الختان وما زالت سائدة بين كثير من الأجناس في أجزاء مختلفة من العالم في أمريكا وأفريقيا كما كانت هذه العادة شائعة بين الساميين من مصريين كعادة صحية دون غياب البعد الديني عنها كما عرف العبرانيين والعرب والموآبيين والعمونيين الختان ولكنها لم تكن معروفة عند الأشوريين والبابليين. وكذلك لم يكن الختان معروف لدى الفلسطينيين فى كنعان. لذلك كان يطلق عليها دائما وصف "الغلف" أي غير المختونين. وكان الختان بصفة عامة شرطاً أساسياً للتمتع بامتيازات دينية وسياسية معينة (خر12: 48،حز44: 9). ولأن الدين يشكل عنصرا هاماً في الحياة، غير هناك نظريات كثيرة فى أصل الختان واسبابه ويمكن القول بأن الختان نشأ كطقس ديني. فى العهد القديم كعهد بين الله وابراهيم ابو الاباء منذ الف وتسعمائة سنه قبل الميلاد تقريبا وكان الختان كعلامة أو كعهد على مستوى العلاقة الشخصية الداخلية بين الانسان والله ودخول فى رعوية الله حيث قال له الرب { أقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك . لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك. وأما أنت فتحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك، يختن منكم كل ذكر، فتختنون في لحم غلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم. ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم. وليد البيت والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك . فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً. وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها. إنه قد نكث عهدي}(تك17: 7 ـ 14).
وهكذا مارس موسى الختان لابنه وقامت زوجته صفورة بختان ابنها فى مديان لتبيان أهمية الختان فى طريق موسى للنزول الى مصر لقيادة الشعب للخروج من عبودية فرعون { وحدث في الطريق في المنزل ان الرب التقاه وطلب ان يقتله. فاخذت صفورة صوانة وقطعت غرلة ابنها ومست رجليه فقالت انك عريس دم لي. فانفك عنه حينئذ قالت عريس دم من اجل الختان.} (خر24:4-26). من يدل على أهمية الختان، لان ختان الابن كان فيه نجاة لموسى لأنها قالت له:{إنك عريس دم لي}. وكأن ميثاق وعهد زواجها قد تأيد بسفك الدم من ابنها في عملية الختان. هكذا توثق الختان فى شريعة موسى النبي بعد الخروج ايضا ولم يكن مسموحاً للنزيل والغريب أن يأكلا من الفصح ما لم يختتنا: {وإذا نزل عندك نزيل وصنع فصحاً للرب فليختن منه كل ذكر ثم يتقدم ليصنعه .. أما كل أغلف فلا يأكل منه}(خر12: 48). وقد صنع يشوع سكاكين من صوَّان وختن بني إسرائيل في تل القلف . ودعي اسم المكان "الجلجال" (أي الدحرجة يش5: 1 ـ 9). فكان الختان علامة مميزة لنسل إبراهيم. واستخدامهم آلات عفا عليها الزمن كسكاكين الصوَّان، لدليل على مدى تمسكهم بهذا الأمر .
كما اننا نجد في كثير من فصول الكتاب المقدس، أمثلة للاستخدام المجازي "للختان"، فحتى الاشجار المثمرة كانت تحسب غير طاهرة مدة الثلاث سنوات الاولى من عمرها وفى السنة الرابعة تقدم باكورتها الى بيت الرب وفى السنة الخامسة يأكل اصحابها ثمارها { ومتى دخلتم الارض وغرستم كل شجرة للطعام تحسبون ثمرها غرلتها ثلاث سنين تكون لكم غلفاء لا يؤكل منها. وفي السنة الرابعة يكون كل ثمرها قدسا لتمجيد الرب. وفي السنة الخامسة تاكلون ثمرها لتزيد لكم غلتها انا الرب الهكم.} (لا23:19-25). وبهذا تصير ثمار الاشجار صالحه للأكل ومباركة للطعام . فالختان هو عهد بين الله والمؤمن ليكون من شعب الله وبالختان يتمتع الطفل المختتن بكامل الحقوق الرعوية لشعب الله وعليه ان يطيع وصايا الله عند بلوغه سن الادراك ويسمى ابن او بنت الشريعة اي صار ملتزما باحكامها.
عيد الختان المجيد ...
تحتفل الكنيسة بتذكار ختان السيد المسيح له المجد، فى اليوم الثامن من عيد الميلاد كما جاء فى الكتاب المقدس { ولما تمت ثمانية ايام ليختنوا الصبي سمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل ان حبل به في البطن} (لو21:2). وهو من الأعياد السيدة الصغرى. وكان يسمى قديما بالاوكتافى اي " اليوم الثامن" توقيرا من المؤمنين واحتراما واجلالا لشخص الختن يسوع المسيح ربنا. لقد خضع السيد المسيح للناموس فى جسده اذ وجد فى الهيئة كانسان { واذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب} (في 2 : 8 ) لقد أكمل الناموس كما قال { لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء ما جئت لانقض بل لاكمل }(مت 5 : 17). بخضوع المخلص لوصايا الناموس وباعطائه الكمال للوصايا فى بعدها الروحي واتمها عنا ليعتقنا من حرفيه الناموس الى روح الوصية وبعدها الروحي والاخلاقي وليعتقنا من ثقل هذه الوصية كما يقول القديس بولس { ان يسوع المسيح قد صار خادم الختان من اجل صدق الله حتى يثبت مواعيد الآباء } (رو 15 : 8).
المعمودية من الماء والروح ... لقد أعتمد المخلص البار ووضع لنا طريق البنوة والدخول فى رعوية شعب الله والولادة الجديدة من الماء والروح لنكون له ابناء وبنات بالتبني كما قال الرب { من امن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن} (مر 16 : 16) لأنه لابد ان نولد من فوق بالماء والروح القدس لنصير ابناء الله بالتبني {اجاب يسوع الحق الحق اقول لك ان كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله} (يو 3 : 5). ولهذا يقول الرسول بولس { وبه ايضا ختنتم ختانا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح. مدفونين معه في المعمودية التي فيها اقمتم ايضا معه بايمان عمل الله الذي اقامه من الاموات. واذ كنتم امواتا في الخطايا وغلف جسدكم احياكم معه مسامحا لكم بجميع الخطايا} (كو11:2-13). لهذا يريد منا ان نحفظ الختان الروحي أي ختان القلب لنحيا له في والقداسة ولقد أكد الرب على أهمية الختان الروحي للإنسان المؤمن حتى فى العهد القديم.
وعندما اثيرت مسألة دخول الامم الى الإيمان فى العصر الرسولي ونادا البعض من اليهودية فى الامم بضرورة الختان { وانحدر قوم من اليهودية وجعلوا يعلمون الاخوة انه ان لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم ان تخلصوا} (اع 15 : 1). انعقد اول مجمع رسولي فى عام 49م فى اورشليم بحضور الاباء الرسل منقادين بالروح القدس فى قرارهم بقبول الامم فى الايمان دون ان يثقلوا عليهم بختان الجسد ولكن بالمعمودية والبعد عن نجاسات الاصنام والزنا وأكل المخنوق أو الدم كدخول فى عهد ورعوية شعب الله { فاجتمع الرسل والمشايخ لينظروا في هذا الامر. فبعدما حصلت مباحثة كثيرة قام بطرس وقال لهم ايها الرجال الاخوة انتم تعلمون انه منذ ايام قديمة اختار الله بيننا انه بفمي يسمع الامم كلمة الانجيل ويؤمنون. والله العارف القلوب شهد لهم معطيا لهم الروح القدس كما لنا ايضا. ولم يميز بيننا وبينهم بشيء اذ طهر بالايمان قلوبهم. فالان لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع اباؤنا ولا نحن ان نحمله. لكن بنعمة الرب يسوع المسيح نؤمن ان نخلص كما اولئك ايضا. فسكت الجمهور كله وكانوا يسمعون برنابا وبولس يحدثان بجميع ما صنع الله من الايات والعجائب في الامم بواسطتهم. وبعدما سكتا اجاب يعقوب قائلا ايها الرجال الاخوة اسمعونى. سمعان قد اخبر كيف افتقد الله اولا الامم لياخذ منهم شعبا على اسمه. وهذا توافقه اقوال الانبياء كما هو مكتوب. سارجع بعد هذا و ابني ايضا خيمة داود الساقطة وابني ايضا ردمها واقيمها ثانية. لكي يطلب الباقون من الناس الرب و جميع الامم الذين دعي اسمي عليهم يقول الرب الصانع هذا كله. معلومة عند الرب منذ الازل جميع اعماله. لذلك انا ارى ان لا يثقل على الراجعين الى الله من الامم. بل يرسل اليهم ان يمتنعوا عن نجاسات الاصنام والزنا والمخنوق والدم. لان موسى منذ اجيال قديمة له في كل مدينة من يكرز به اذ يقرا في المجامع كل سبت}( أع 6:15-21). لانه لا الختان الجسدي ولا الغرلة فى المسيحية هي حدود النجس أو الطاهر بل الايمان العامل بالمحبة { لانه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئا ولا الغرلة بل الايمان العامل بالمحبة} (غل 5 : 6). الإيمان بمحبة الله المعلنة لنا فى المسيح يسوع بنعمة روحه القدوس { الذي فيه ايضا نلنا نصيبا معينين سابقا حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب راي مشيئته. لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح. الذي فيه ايضا انتم اذ سمعتم كلمة الحق انجيل خلاصكم الذي فيه ايضا اذ امنتم ختمتم بروح الموعد القدوس. الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده} (أف11:1-14). وامتد الختان الروحي ليشمل تقديس الحواس والفكر والقلب والعمل ليصبح المؤمن هيكل روحي مقدس ومكرس لله كما قال الرب يسوع فى تجسده وهو القدوس { ولاجلهم اقدس انا ذاتي ليكونوا هم ايضا مقدسين في الحق }(يو 17 : 19). ان التقديس هنا بمعنى التخصيص وتكريس الحياة . ونحن اذا نقتدى برئيس إيماننا ومكمله الرب يسوع نكرس حياتنا له فى خدمة باذلة ومحبة كاملة بكل الاعضاء الداخلية والخارجية والحياة لله سواء فى بتولية او زواج مقدس كما يشدد القديس بولس الرسول علينا { فاني اغار عليكم غيرة الله لاني خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح }(2كو 11 : 2).
الختان الروحي وتقديس المؤمن لله...
ختان الشفتين ... ان الشفاة الخاطئة والظالمة والمتكبرة والمتكلمة بالاكاذيب والتي لا تمجد الله وتسبحه هي شفاه غلفاء حتى ان موسى النبي عندما دعاه الله ليرسله الى فرعون ليخرج الشعب من العبودية فى تواضع قال للرب { فتكلم موسى امام الرب قائلا هوذا بنو اسرائيل لم يسمعوا لي فكيف يسمعني فرعون وانا اغلف الشفتين }(خر 6 : 12). وهكذا فعل اشعياء النبي عندما راى مجد الرب احس بنجاسته امام مجد الرب { فقلت ويل لي اني هلكت لاني انسان نجس الشفتين وانا ساكن بين شعب نجس الشفتين لان عيني قد راتا الملك رب الجنود. فطار الي واحد من السرافيم وبيده جمرة قد اخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمي وقال ان هذه قد مست شفتيك فانتزع اثمك وكفر عن خطيتك} (أش 5:6-7). لهذا يقول الرب على لسان هوشع النبي ان التسبيح وطلب مراحم الرب كذبائح مقدسة { خذوا معكم كلاما وارجعوا الى الرب قولوا له ارفع كل اثم واقبل حسنا فنقدم عجول شفاهنا} (هو 14 : 2).
الاذان المختونة .. الاذان المختونة بالنعمة هي التي تسمع لصوت الله وتستطيع ان تميزه بين الاصوات الكثيرة والضجيج المحيط بنا لذلك كثيرا ما كان السيد المسيح يؤكد على سامعيه { من له اذنان للسمع فليسمع (مت 11 : 15). ويلوم على الشعب قديما لانهم رفضوا سماع كلمة الرب { فابوا ان يصغوا واعطوا كتفا معاندة وثقلوا اذانهم عن السمع }(زك 7 : 11). ولهذا لام السيد المسيح على سامعيه المعاندين { لان قلب هذا الشعب قد غلظ واذانهم قد ثقل سماعها وغمضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا باذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فاشفيهم} (مت 13 : 15).. ويدعونا لسماع صوته { اصغ يا شعبي الى شريعتي اميلوا اذانكم الى كلام فمي }(مز 78 : 1). ويمدح الرب المؤمنين الذين يبصروا ويسمعوا لصوت كلامه { ولكن طوبى لعيونكم لانها تبصر ولاذانكم لانها تسمع} (مت 13 : 16). ويوصينا الكتب ان نسمع ونصغى لصوت الرب ونطيعه { اليوم ان سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم }(عب 4 : 7).
القلب المختون ... القلب المختون بالنعمة هو القلب المقدس الذى يحب الله حبا يملك الحب ويحب الجميع محبة روحية طاهرة من محبته لله { ويختن الرب الهك قلبك وقلب نسلك لكي تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك لتحيا }(تث 30 : 6). لهذا يشدد القديس بولس الرسول على أهمية ختان القلب بالروح القدس { بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان الذي مدحه ليس من الناس بل من الله} (رو 2 : 29). لقد لام القديس استفانوس رئيس الشمامسة مقاومي الحق { يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والاذان انتم دائما تقاومون الروح القدس كما كان اباؤكم كذلك انتم }(اع 7 : 51). وقاوموا عليه ورجموه وهو ينظر الرب فى السماء ويقول فى قلب مختون بنعمة وقوة الروح القدس والحكمة محب حتى للاعداء { ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يا رب لا تقم لهم هذه الخطية واذ قال هذا رقد }(اع 7 : 60). الختان الروحي اذن هو تقديس للحواس والفكر والارادة والعمل وتقديس الاعضاء الداخلية والخارجية ليصير المؤمن كهيكل مقدس لله. ولهذا عندما يعمد الداخل للإيمان يجحد الشيطان وكل اعماله الرديئة وحيله وطرقه ويعلن ايمانه المسيحي ليموت عن الانسان العتيق ويقوم فى جده الحياة وتقدس اعضاءه بالميرون المقدس ليكون هيكلا للروح القدس { اما تعلمون انكم هيكل الله و روح الله يسكن فيكم }(1كو 3 : 16){ام لستم تعلمون ان جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وانكم لستم لانفسكم }(1كو 6 : 19).
للأب القمص أفرايم الانبا بيشوى