الأنبا تيموثاوس البابا السكندرى :
تتلمذ على يد القديس أثناسيوس الرسولى بعد أن أتم علومه بالمدرسة اللاهوتية
بالأسكندرية ، ثم جلس على كرسى مارمرقس بعد نياحة البابا بطرس الثانى عام 379 م
فى عهد الأمبراطور ثيؤدسيوس الكبير .
كان يلقب " بالفقير " لأنه جمع ما يمتلكه من حطام الدنيا ووزعه على جماعة
الفقراء والمساكين .. وهو الذى فضح مكيدة الآريوسيين فى مجمع صور عام 334 م
عندما أحضروا المرأة العاهرة لتدعى على أثناسيوس الرسولى أنه ارتكب الشر معها ،
إذ قام الأنبا تيموثاوس ( الذى كان كاهنا فى ذلك الوقت وكان مرافقا البابا
أثناسيوس ) وبدأ يخاطبها كانه القديس أثناسيوس نفسه ، ولأن المرأة الشريرة لم
تكن تعرف أحدهما قالت أمام المجمع مخاطبة تيموثاوس : ,, حقا أنت يا أثناسيوس
الذى فعلت بى هذا الشر ! وبهذا ظهر كذبها وافتضحت مؤامرة الآريوسيين ! كما ظهرت
نجابة البابا تيموثاوس وقوة دفاعه عن أستاذه العظيم القديس أثناسيوس ،، .
ولقد اشترك مع سلفه البابا بطرس الثانى فى تدبير الأمور الهامة كما أظهر غيرة
حسنة فى المحافظة على تراث الاباء ، إذ عندما حاول أساقفة رومية اعتبار قوانين
مجمع سرديكا المكانى كأنها قوانين مجمع نيقية المسكونى الأول ، قاومهم أساقفة
أفريقيا وأرسلوا إلى بطاركة الأسكندرية وأنطاكية والقسطنطينية يطلبون النسخ
الصحيحة لقوانين المجمع النيقاوى . وعندئذ قام الأنبا تيموثاوس بنسخ العشرين
قانونا الصحيحة ووزعها على كل الكنائس مبينا لهم أن الكنيسة لم تعرف ولم تقبل
سواها .
ولما عقد المجمع المسكونى الثانى بالقسطنطينية حضره مع كثير من أساقفتة ، ويبدو
أنه كان ذا مركز ممتاز فى هذا المجمع حتى أن بعض المؤرخين اعتبروه رئيسا فعليا
له ، قال المؤرخ صوزومينوس ما نصه : " فاجتمع من الذين يعتقدون بمساواة الثالوث
فى الجوهر نحو 150 وفى رئاستهم تيموثاوس المتقلد إدارة كرسى الأسكندرية خلفا
لأخيه بطرس الذى كان قد توفى منذ عهد ليس ببعيد " .
ولقد صرف هذا البابا أوقات فراغه فى كتابة تواريخ القديسين ، كما وضع قوانين
للكهنة ، وفى أيامه بنيت كنائس كثيرة .
وأخيرا ، بعد أن أكمل جهاده ، رقد فى الرب سنة 385 م .
الأنبا ملاتيـــوس الأنطاكــى :
ولد فى أوائل القرن الرابع فى مدينة تدعى ملاطيا من بلاد أرمينيا ، وكان أبواه
غنيين تقيين فاهتما بتربيتة وتعليمه وتهذيبه ، فنشأ محبا للفضيلة راغبا فى
الوحدة والعزلة .
ولما انتقل أسقف سبسطية ( وهى إحدى المدن التى نمت فيها البدعة الآريوسية )
اختاره الجميع ليكون أسقفا عليها ، وبعد رسامته قضى فى خدمته هناك فترة قصيرة
ثم ترك كرسيه وانفرد فى البرية للعبادة ، وإذ لم يسترح فى البرية المحيطة بهذه
البلدة انتقل الى نواحى بلدة حلب حيث اتخذ له مكانا للعبادة ، فلم تمضى فترة
حتى ذاع صيته وانتشر بين الناس حسن فضائله .
واتفق أن عزل فى تلك الأيام أودوكسيوس الدخيل بطريرك أنطاكية ( التى كانت تعتبر
مركز الآريوسية فى الشرق ) وخلا بذلك كرسى أنطاكية فاتفق رأى الجميع على
انتخابه لهذا المنصب ، ومن الغريب أن الآريوسيين أنفسهم قد وافقوا على تعيينه
ظنا منهم أنه من المشايعين لهم .
وما أن جلس هذا الأب على كرسى انطاكية حتى بدأ يفكر فى الطريقة السلمية التى
يتمكن بواسطتها من جذب الأريوسيين الى الأيمان المستقيم ، فاستقر رأيه على أن
يحث هؤلاء على إصلاح سيرتهم والتمسك بأهداب الفضيلة وممارسة أعمال البر والتقوى
، عالما أنه إذا استقامت سيرة إنسان استقام إيمانه أيضا .
غير أن الآريوسيين لم يقبلوا عظاته هذه وبدأوا يدركون أنه ممن يرفضون تعاليمهم
الشنيعة وبدعهم الغريبة ، وأخيرا وشوا به لدى الأمبراطور الأريوسى قسطانس ،
فانتهز فرصة وجوده فى حضرته ومعه اثنين من الأساقفة الآريوسيين هما جاورجيوس
أسقف اللاذقية واكاسيوس أسقف قيصرية وطلب من الثلاثة أن يفسروا له الآية التى
تقول : " الرب قنانى أول طريقة من قبل أعماله منذ القدم " ( أم 8 : 22 ) . فلما
انتهى الأسقفان الأريوسيان من تفسيرهما حسب آرائهم الخاطئة ، بدأ ملاتيوس يبين
خطأ أقوالهما ويوضح لهما التفسير الصحيح ، عندئذ غضب الأمبراطور قسطانس وأمر
بنفيه إلى أرمينيا !!
ثم سأل الأمبراطور عن صك انتخاب ملاتيوس ليمزقه ، فعرف أنه لدى أوسابيوس أسقف
ساموس ، فأرسل إليه أحد قواده وشدد عليه الأوامر قائلا : " إن رفض أن يعطيك
الصك إقطع يده اليمنى بالسيف " وما أن وصل القائد الى أوسابيوس وأعلمه بأمر
الملك حتى مد الأسقف يديه الأثنين ، وقال : " إن قطعهما الأثنين أسهل بكثير من
استلامك الصك الذى تريده " فخاف القائد – إذ كان تقيا خائفا الله – وعاد إلى
الأمبراطور دون أن يلحق بالأسقف ضررا ، وأخبره بما حدث ، فدهش كثيرا لشجاعة
أوسابيوس وأثنى عليه أمام الجميع .
ولقد بقى الأنبا ملاتيوس فى نفيه ، الى أن مات قسطانس وتعين بدلا منه يوليانوس
الملحد ، الذى رد جميع المنفيين فى زمن سلفه ، فعاد إلى كرسيه وعقد مجمعا من
الأساقفة ثبت فيه الأيمان المستقيم ونبذ كل تعليم غريب أثيم .
ولما تنصب الأمبراطور فالنص الآريوسى أصدر أمره بنفى ملاتيوس مرة ثانية ، فغضب
الشعب الأنطاكى كثيرا وحاولوا اختطاف راعيهم الأمين من يد الجنود بالقوة ولكنهم
لم يتمكنوا . وهكذا بقى في نفيه الى أن عاد عندما تنصب الأمبراطور غراتيانوس
المستقيم الرأى . فبدأ يصلح أحوال كرسيه التى أفسدتها أيدى الآريوسيين أعداءه
كما تفقد كافة أفراد رعيته مثبتا إياهم على الأيمان .
ولما عقد المجمع المسكونى الثانى فى مدينة القسطنطينية ، رأسه الأنبا ملاتيوس
إذ كان شيخا وقورا ، وعندما وقع بصر الأمبراطور ثيؤدسيوس الكبير عليه ، قال
للآباء جميعا : " أنى قد رأيت هذا الشيخ الوقور فى الرؤيا يضع على الرداء
الملكى " .
وقد انتقل ملاتيوس عام 381 م قبل أن ينتهى المجمع القسطنطينى من عقد جلساته
ووضع قراراته