ميلاد القديسة العذراء والدة الإله
ولدت مريم العذراء بمدينة الناصرية حيث كان والداها يقيمان، وكان كليهما متوجع القلب لأنه لم يكن يستطيع أن يقدم قربانا لله لأنه لم ينجب أولادا فلما جاء ملء الزمان المعين حسب التدبير الإلهي أرسل ملاك الرب وبشر الشيخ يواقيم والدها حينما كان قائما في الجبل يصلي بقوله: "ان الرب يعطيك نسلا يكون منه خلاص العالم " فنزل من الجبل لوقته موقنا ومصدقا بما قاله له الملاك وأعلم زوجته حنة بما رأي وسمع ففرحت وشكرت الله ونذرت نذرا أن الذي تلده يكون خادما لله في بيته كل أيام حياته، وبعد ذلك حبلت وولدت هذه القديسة وأسمتها مريم.
تذكار ميلاد القديسة العذراء والدة الإله (1 بشنس)
ميمر السيدة العذراء للقديس مارافرام السريانى أول بشنس
أريد الآن أيها الاخوة الاحباء أن أعلمكم بهذا السر العظيم الذى هو ميلاد السيدة العذراء. وأسألكم أنا الخاطىء المسكين بأثامى الكثيرة أن تفتحوا مسامع أذانكم وتصغوا بقلبكم لما أتلو عليكم اليوم.
كان رجل غنى أسمه يواقيم من بنى أسرائيل يملك الكثير من أموال هذا العالم الزائل، وكانت له زوجة تدعى حنة من سبط يهوذا وكانت عاقرا لم تلد البتة. ذلك الامر الذى كان سبب حزنها. فكانا كلاهما يسألان الله أناء الليل وأطراف النهار بقلوب خاشعة ودموع غزيرة أن يرزقهما نسلا صالحا يسر قلبهما. وان الرب الإله المتحان على خليقته، والذى يعلم سائر الاشياء اراد ان يتخذ مسكنا لروح قدسه فاجاب دعوتها وأعطاها ثمرا طيبا بواسطتة ليكون الخلاص لادم وذريته من نير العبودية بينما كانت حنه تندب نفسها فى كل وقت قائلة أى شىء تساوى حياتى فى الدنيا وانا مجردة من الثمر، وهوذا البهائم والطير وكل المخلوقات ترزق نسلا أما أنا الويل لى وعظيم هو حزنى وألم قلبى. أسألك أيها الاله الدائم وحده الذى سمع صوت سارة زوجة أبينا إبراهيم واعطها إسحق بعد الكبر، وسمع لرحيل وأعطاها يوسف وبنيامين لتسمع صوت دعائى أنا المسكينة التى بدون نسل وعشيرتى لاسيما يعلى يواقيم حزين القلب كثيرا، وها أنا أعترف بين يديك ياإلهى انى لا أتركه يمشى على الارض حتى أعطية لهيكلك المقدس وكانت القديسة حنة تقول هذا وهى تبكى بكاء مرا.
وفيما هى كذلك جاءت أحدى جواريها فوجدتها على هذا الحال، فقالت لها ما بالك يا سيدتى متوجعة القلب. قالت لها حنة دعينى لان حزن قلبى عظيم فأجابتها قائلة يا سيدتى أنا أشير عليكى أنتى وسيدى ان تقدما لهيكل الله قربانا لعل الله يذكركما وأخبرت حنة بعلها يواقيم بهذا فاستحسنة وقام مسرعا وأخذ قرابينا وبخورا وذبائح كثيرة ومضى حيث كان يوم عيد اليهود الكبير (فلما جاء ليقدمها على المذبح منعه الكاهن قائلا أنت لم ترزق نسلا فى اسرائيل فلا ينبغى لك هذا فذهب وأعلم زوجتة بذلك فحزنت كثيرا وقالت وهى تبكى مرا أنت ياربى العظيم وحدك والقادر على كل شىء. بمن أشبه نفسى الحقيرة فان الطيور والبهائم وسائر الوحوش على اختلاف أجناسها ترزق نسلا أما أنا فقد نزعت منى الثمرة وصرت عارا بين ابناء جنسى وليس لى من يخلقنى, اسالك ايها الرب الجالس على الكرسى الشاروبيمى أن تسمع صلاتى ودعائى وترزقنى نسلا يسر به قلبى. وفيما هى تصغى اذ ظهر لها الملاك الجليل جبرائيل بنور سماوى وقال لها: يا حنه أن الله سمع دعائك وصلوتك وانك ستحبلين وتلدين إبنة وسيكون لها التوبة فى جميع الاجيال وفى كل أقطار المسكونة, ومنها يكون الخلاص لأدم وذريته من أسر الشيطان, فأجابت قائلة: حى هو الرب انى لو رزقت بمولودة كما قلت لى لقدمتها قربنا للرب لتخدمه كل ايام حياتها فى هيكله المقدس, ثم تركها الملاك وتوجه الى يواقيم حيث كان فى البرية يصلى الى الله ويسأله بتضرع مدة أربعين يوما وهو صائما فقال له ايها الرجل المبارك لماذا انت مكتئب القلب فان الله اختارك وأكرمك أكثر من بنى اسرائيل, قال له من انت الذى تخاطبنى. فقال له الملاك انا هو جبرائيل الواقف امام كرسى الرب الاله الذى ارسلنى اليك لابشرك قم و امضى الى زوجتك المباركة حنه فانها ستحبل وتلد ابنة عذراء وتدعوها مريم ومنها يكون خلاص ادم وذريته.
ولما قال هذا غاب عنه فقام يواقيم وجاء الى زوجته؛ فخاطب بعضهما بعضا بما قاله لهما الملاك ثم صنعا وليمة عظيمة لكهنة وشعب الرب وأخذا قربانا وذبائح وبخوراً ومضيا لتقديمها لله ذبيحة مرضية وقالا إن الله قبل دعاءنا وذكرنا فالكاهن يقبل قرابيننا ويقدمها امام الله, فلما وصلا خرج الكهنة الى يواقيم وقالوا: افرح فان الله قد سمع لك. ثم اسرعوا وقدموا القرابين على المذبح, وفى تلك الساعة صعدت الى الله ذكرا طيبا ثم بارك الكهنة يواقيم وحنة زوجته وانصرفا وهما يسبحان الله ويقولان: تباركت يالله يا من قبلت دعاءنا وسمعت طلباتنا, ثم انفردت حنه فى مكان للصوم والصلاة فلم تأكل شيئا دسما وكانت تصنع صدقات كثيرة للفقراء والمساكين والضعفاء وذوى الحاجة ولما تمت ايام حملها أشتد بها المخاض فأرسلت بعض جواريها لتأتيها بقابلة, وفى صبيحة اليوم الاول من شهر بشنس وضعت العذراء مريم الطاهرة بوجه ممتلىء من نعمة الروح القدس ودعتها مريم كبشارة الملاك لها قبل الحبل بها. وكان سرورها فى ذلك اليوم عظيما جدا وقدما القرابين شكرا لله وتصدقا على الفقراء والمحتاجين بشىء كثير ولبثا كذلك العام الثالث ومن ثم قدماها الى هيكل الرب وهى تنمو كل يوم ويزداد وجهها حسناً ونوراً ساطعاً وهدوء و سكينة وكرامة. الى أن أتاها ملاك الرب وبشرها بقبول الكلمة وفعلا تم ذلك، وكمل الخلاص لادم وذريته بحلول الابن الكلمة داخل أحشائها.
ولنقل مع الملاك غبريال هكذا (السلام لك يا ممتلئة نعمة الرب معك. منك أشرق الاله الحى الأزلى المتجسد من الروح القدس, حول أحزاننا الى فرح القلب فلهذا نسجد له ونرتل لآمه مريم الحمامة الحسنة)
ونسأل الرب أن يؤهلنا لميراث النعيم, ويتعطف علينا ويتراءف بنا ويحسن الينا ويمن علينا بكثرة الخيرات وخصب الزروع ونمو الاثمار ووفاء الانهار بشفاعة السيدة العذراء ولنقف فى بيعته المقدسة بقلوب صافية. وعقول سليمة من الافكار، ونفوس شاعرة بالاتضاع والوقار ويوصلنا الى ميناء الخلاص، ويجعلنا من أهل اليمين، وأن نعمل بوصاياه الالهية وأقوال الانجيل الناطقة فى بيعته الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية. ولنسد أذاننا عن كل رذيلة عاملين بوصاياه دائما، مستحقين تناول جسده الطاهر ودمه الزكى اللذان بهما خلاص البشرية وغفران خطايانا، وصحة أجسادنا وأروحنا وحياة نفوسنا المائتة بالخطية.
بشفاعة سيدتنا العذراء سيدة البشرية، وكرسى الرب العذراء مريم ابنه يواقيم أم فادينا العظيم الذى له المجد مع أبينا الصالح والروح القدس الى أبد الدهور أمين.