يكتب الرسول بولس في رسالته إلى الكنيسة في كولوسي : "متى قرئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تُقرأ أيضاً في كنيسة اللاوديكيين ، والتي من لاودكية تقرأونها أنتم أيضاً"
( كو 4 : 16 ) . فما هي هذه الرسالة "التي من لاودكية" ؟
أولاً :- هناك تفسيرات مختلفة لعبارة الرسول بولس ، فكلمات الرسول بولس قد تعني :
( 1 )- أن الرسالة قد كتبها اللاودوكيون . ولكن يكفي لدحض ذلك ملاحظة أن الرسول بولس يوصي المؤمنين في كولوسي أن يحصلوا على الرسالة "التي من لاودكية" وأن يقرأوها ، فكيف يمكن للرسول أن يأمر بذلك بخصوص رسالة كتبها طرف ثالث ؟ وكيف استطاع الرسول بولس أن يعرف أنه توجد نسخة من تلك الرسالة ، كتبها اللاودكيون قبل أن يرسلوها ؟ وكيف عرف أن اللاودكيين لديهم الاستعداد لإرسال نسخة منها إلى كولوسي ؟ إن هذا الافتراض يثير الكثير من المشكلات التي لا حل لها . كما أن عبارته تتضمن أن هذه الرسالة "التي من لاودكية" ، "والرسالة إلى كولوسي" هما رسالتان متكاملتان ، يجب على كل من الكنيستين أن تتبادلاهما ، لتستطيع كل منهما قراءة الرسالة المرسلة إلى الأخرى.
( 2 )- أن الرسول بولس كتب رسالة من لاودكية ، وأن هذه الرسالة قد تكون الرسالة الأولى أو الثانية إلى تسالونيكي ، أو الرسالة إلى غلاطية . ولكن المرجح جداً أن كل هذه الرسائل لم تكتب من لاودكية ، وأن الرسول بولس عندما كتب الرسالة إلى الكنيسة في كولوسي ، كان سجيناً في رومية ، ولهذا السب وحده ، فمن المستحيل أن يكون قد كتب رسالة – منذ زمن قصير – من لاودكية ، وبخاصة أنه يذكر في رسالته إلى كولوسي أن الذين في لاودكية كانوا من الذين لم يروا وجهه في الجسد ، أي أنه لم يسبق له أن زار لاودكية ، ومن ثم فمن المستحيل أن يكون قد كتب منها رسالة.
( 3 )- إن الرسالة كانت موجهة إلى اللاودكيين :
( i)- إنها رسالة لم يكتبها الرسول بولس بل كتبها شخص آخر ، ولكن لهجة العبارة لا تحتمل ذلك أبداً.
(ii )- أن الرسول بولس هو الذي كتبها ، ولكنها فُقدت ولم تصل إلينا ، وهو التفسير الشائع.
(iii)- إنها الرسالة اللاتينية المزيفة ، والتي ترجع إلى القرن السادس الميلادي ، والتي تحمل العنوان : "إلى اللاودكيين" . وهي ليست سوى حشد من آيات مأخوذة من كتابات الرسول بولس المعروفة ، وبخاصة الرسالتين إلى فيلبي وإلى غلاطية ، ووضعت هذه الآيات معاً بطريقة عشوائية . وكان من الطبيعي أن يوصي الكاتب المزيف الذي جمعها – في ختام رسالته – بأن يتم تبادل الرسالة مع الرسالة إلى كولوسي . وقد دفعه إلى هذا التزييف ما أوصى به الرسول بولس في الرسالة إلى كولوسي ( كو 4 : 16 ) ، فأراد أن يملأ هذا الفراغ الذي رآه.
(iv)- البديل الوحيد لكل ذلك . هو أن الرسالة "التي من لاودكية كانت رسالة من الرسول بولس نفسه إلى الكنيسة في لاودكية ، ويوصي المؤمنين في كولوسي أن يحصلوا عليها "من لاودكية" . وأرجح الاحتمالات أنها هي الرسالة التي تحمل العنوان : "رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس" ، وثمة الكثير من الأدلة التي تؤيد ذلك . لقد كتب الرسول بولس رسالة إلى الكنيسة في لاودكية ، المدينة التي ذكرها مرتين في رسالته إلى الكنيسة في كولوسي : "فإني أريد أن تعلموا أي جهاد لي لأجلكم ولأجل الذين في لاودكية" ( كو 2 : 1 )، "سلموا على الإخوة الذين في لاودكية ، وعلى نمفاس وعلى الكنيسة التي في بيته" ( كو 4 : 15 ) . وإذا سلمنا بأن ما ذكره في رسالته إلى الكنيسة في كولوسي( 4 : 16 ) ، يعني أنه كتب رسالة إلى الكنيسة في لاودكية في نفس الوقت الذي كتب فيه إلى الكنيسة في كولوسي ، فأين هذه الرسالة ؟
ثانياً :- نرى مما سبق :
( 1 )- أن الكلمتين "في أفسس" ( أف 1 : 1 ) لا توجدان في أقدم مخطوطتين للكتاب المقدس ، وهما المخطوطة السينائية ، والمخطوطة الفاتيكانية.
( 2 )- يذكر الرسول بولس في الرسالة إلى أفسس أن من يكتب إليهم ، لم يكن إيمانهم على يديه ، بل يقول : "إذ قد سمعت بإيمانكم بالرب يسوع" ( أف 1 : 15 ) . كما يقول : "بسبب هذا أنا بولس أسير المسيح يسوع لأجلكم أيها الأمم ، إن كنتم قد سمعتم بتدبير نعمة الله المعطاة لي لأجلكم" ( أف 1 : 3 : 1 ، 2 ) . ونعلم من سفر أعمال الرسل أن المؤمنين في أفسس كانوا في غالبيتهم من اليهود ، فيكون من الغريب أن يقول لهم : "أيها الأمم" . كما أنه قضى في أفسس ثلاث سنوات يخدم بينهم ، فكيف يقول لهم : "إن كنتم قد سمعتم بتدبير نعمة الله المعطاة لي لأجلكم" ( أف 3 : 2 ).
ثالثاً :- والخلاصة هي أن الأرجح هو أن الرسالة إلى لاودكية هي نفسها الرسالة الموجودة بين أيدينا باسم "رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس" ( فالرجا الرجوع إلى مادة أفسس – الرسالة إليها" ، في موضعها من الجزء الأول من "دائرة المعرف الكتابية").