ابو ماضى Admin
عدد المساهمات : 4763 تاريخ التسجيل : 27/02/2010 العمر : 51
| موضوع: الصوم بمعناه الروحي الإثنين أغسطس 08, 2011 10:45 am | |
| مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام يوم الأحد 7 أغسطس 2011
الصوم بمعناه الروحي
الصوم هو فترة مقدسة, يقترب فيها الصائم إلي الله, ولذلك فالصوم يقترن بفضائل عديدة, وليس هو مجرد علاقة بين الانسان والطعام, متي يأكل ومتي يمتنع بل بالأكثر: الصوم هو علاقة مع الإنسان والله تبارك اسمه.
† وكأن الصائم يقول لله: أنا يا رب من أجلك آكل, ومن أجلك أصوم: من أجلك آكل, لكي آخذ قوة أستطيع بها أن أقف في الصلاة, وأن أودي عملي بطريقة أمينة, وأن أعمل خيراً مع كل أحد.. وأنا أصوم لكي تستطيع روحي أن تقترب إليك بدون عائق من الجسد.
† الصوم إذن هو فترة مقدسة مثالية غير عادية, يحتاج فيها الصائم إلي تدبير روحي من نوع خاص يتفق مع قدسيتها, في حياة لها سموها, ولا يجوز أن تمر كباقي الأيام.. إنها صفحة جديدة في علاقتنا مع الله, ندخلها بشعور جيد وبروح جديدة, ونتفرغ فيها لله علي قدر إمكاننا, ونعمق علاقتنا به.
† الصوم هو فترة للتوبة الحقيقية, وفي الحرص علي نقاوة القلب, والله يريد القلب النقي أكثر مما يريد الجسد الجائع, والإنسان الذي يصوم فمه عن الطعام, ولا يصوم قلبه عن الخطايا, ولا لسانه عن الأباطيل, فصوم هذا الإنسان باطل, فإذا ما اجتمعت نقاوة القلب مع صوم الجسد يكون هذا وضعا مثاليا.
إذن حاول يا أخي القارئ أن يكون صومك قد غير منك شيئاً عن ذي قبل وحولك إلي حياة أفضل, أما إن كانت قد مرت عليك سنوات طويلة تصوم فيها, وأنت كما أنت بنفس الطباع, وبنفس الأخطاء, وبنفس السقطات, فما الذي استفدته أنت من صومك؟!
St-Takla.org Image: A Coptic Orthodox monk sitting in his cell, reading and prayingصورة في موقع الأنبا تكلا: راهب قبطي أرثوذكسي يقرأ في قلايته ويصلي | † الصوم أيضا يرتبط بالصلاة وبالصدقة.. هذه الثلاثة صادات (صوم صلاة صدقة) ينبغي أن تحرص عليها, ففي صومك ينبغي أن تهتم بفضيلة العطاء, ومادمت تشعر في الصوم بالجوع, فعليك أن تهتم بالجائعين وتطعمهم, وما أجمل ما قاله أحد الآباء في إحدى المناسبات: إن لم يكن عندك ما تعطيه لهؤلاء المحتاجين, فصم وقدم لهم طعامك, ولعله في هذا المجال تقام كثير من موائد الرحمن لإطعام الغير.
† الصوم أيضا يرتبط بالصلاة, ولا نقصد مجرد الصلاة الشكلية, وإنما الصلاة التي يرتفع فيها القلب إلي الله بكل حرارة وبكل عمق, وهكذا تكون الصلاة ـمن واقع اسمهاـ هي صلة بالله, وإن لم توجد هذه الصلة, لا تكون الصلاة صلاة.
† الصوم أيضا يرتبط باستمرار بفضيلة ضبط النفس, وفيما يضبط الإنسان نفسه عن الطعام والشراب, إنما يأخذ من ذلك تدريبا لضبط إرادته بحيث لا تنحرف, بل يقدم الصائم إرادته إلي الله, ويقول في نفسه لا أريد إلا ما يريده الله في حياتي, إذن ابحث بدقة أين تشرد إرادتك بعيدا عن الله, وركز علي هذه النقطة بالذات لكي تنجح فيها وتقدم لله إرادة صالحة ترضيه, وكما تفعل هذا أثناء الصوم, اجعل هذا التدريب يستمر معك حتى بعد أن ينقضي الصوم, وإذا أمكنك في صومك أن تنجح إرادتك, ولو في الانتصار علي نقطة ضعف معينة في حياتك, فإنك ستشعر بفائدة الصوم لك, لذلك لا تأخذ من الصوم شكلياته بل ادخل إلي العمق.
† إن الصوم وصية من الله, ولكنك في صومك, لا تصم لمجرد طاعة الوصية, وإنما بالأكثر لأجل محبة هذه الوصية التي تحقق لك انتصارا في حياتك علي كثير من الأخطاء, والتي تعطيك فرصة لغذاء الروح وتقويتها, وغذاء الروح معروف وهو: الصلاة والتأمل, وقراءة كتاب الله, وكل القراءات الروحية التي تعمق محبة الفضيلة في القلب, وكذلك الترانيم والتسابيح, والاجتماعات الروحية وما أشبه, وغذاء الروح أيضا يشمل المشاعر الروحية والاهتمام العميق بالأبدية وموضع الإنسان فيها.
والروح إذا تغذت, تستطيع أن تحمل الجسد, ونلاحظ أحيانا ان الإنسان حينما يقرأ قراءة نافعة وجذابة, ويشبع بالقراءة ولذتها, ويحين موعد الطعام, إنه لا يجد رغبة في الأكل, بل كل رغبته أن يكمل القراءة, وذلك بأن روحه تغذت فحملت الجسد, فلم يشعر بالجوع.
إذن أعط الروح غذاءها أثناء الصوم, وكن واثقا أن غذاء الروح سيعطي الجسد قوة يحتمل بها الصوم, إن صلوات الصوم هي أعمق من الصلوات في وقت آخر.
† وفي الصوم لا تجعل مشغولياتك تطغي, بحيث تستقطب كل أفكارك, ولا يبقي في ذهنك موضع لله، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. لذلك اجعل لمسئولياتك حدوداً, وأعط لربك مجالا تفكر فيه, وكل فكر لا يرضي الله أبعده عنك, فهو لا يتفق مع المجال القدسي الذي تعيش فيه أثناء الصوم, لذلك لا تنجس صومك بفكر خاطئ.
† الصوم ليس هو فقط صوم الجسد, وإنما هناك أيضا صوم اللسان, حيث تتدرب أن تكون كل كلمة تخرج من فمك, يرضي الله عنها, ولا تتعب ضميرك, بل تكون كلمة للبنيان, تبني بها غيرك, وتبني بها روحياتك, والصوم أيضا يشمل صوم الفكر وصوم النيات وصوم القلب عن كل شئ لا يرضي الله, إذن ليكن صومك شاملا لكل ما فيك.
† الصوم إذن ليس مجرد فضيلة للجسد بعيدا عن الروح, وكل عمل لا تشترك فيه الروح لا يعتبر فضيلة علي الإطلاق, والصوم الحقيقي هو عمل روحي داخل القلب أولا في علاقة الإنسان بخالقه أما عمل الجسد في الصوم, فهو تعبير عن مشاعر الروح, الروح تسمو فوق مستوي المادة والطعام, فتقود الجسد معها في موكب نصرتها, ويعبر الجسد عن هذا بممارسة الصوم, الصوم إذن ليس هو جوعا للجسد, بل هو غذاء للروح, والصوم هو روح زاهدة, تشرك الجسد معها في الزهد, إذن فالصوم ليس هو الجسد الجائع, بل الجسد الزاهد, وليس الصوم هو مجرد جوع الجسد, وإنما بالأكثر هو تسامي الجسد وطهارته, والصائم حينما يصلي لا يصلي فقط بجسد صائم, إنما أيضا بنفس صائمة, والصوم بهذا الشكل هو وسيلة صالحة للعمل الروحي, يحيا فيه الإنسان جميعه بقلبه ونفسه وروحه وفكره وحواسه وعواطفه في إرضاء الله وفي محبته, وتكون وصية الصوم لها تفسيرها الروحي السليم.
| |
|