في صليب المسيح نتلمس صورة الله الحقيقية..
".. فما من أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا من أحد يعرف الآب إلا الابن ومن شاء الابن أن يكشفه له" (متى 11: 27).
في الصليب لا تفقد صورة الله جوهرها وعظمتها، لكن هذه الصورة تصبح وبشكل مذهل قريبة أكثر وصديقة أكثر للإنسان، لأنها صورة للآب الذي، بابنه المصلوب، يشارك الإنسان حتى بأتعس وأظلم حالاته الإنسانية – الألم والموت.
لهذا نرى أنه من الصليب تنبعث قوة ورجاء بالتحرر من عبودية الموت والخطيئة لكل الجنس البشري . الصليب يغير مفهومنا ونظرتنا لمأساة الألم وسر الألم ، الذي هو بالنهاية مأساة حياتنا الإنسانية وسرّها. بالصليب لا يتم إلغاء الألم ، لكن تتبدل نظرتنا الإنسانية له من حالة من التعاسة والظلم الإنساني الذي لا معنى له، إلى حالة من القوة والرجاء.
أمام يسوع المصلوب ، تسقط كل أوجه البراءة الزائفة للإنسان، هذه البراءة التي يمكن أن نخدع بها أخانا الإنسان ولكن لا نستطيع أن نخدع بها الله.
أمام يسوع المصلوب، لا وجود للتباهي الإنساني، لا وجود للـ "أنا" التي أستطيع بها لوحدي تغيير
العالم. لا يعني هذا أن نكون متشائمين، فاقدي الأمل. لكننا في اللحظة التي ندرك فيها أننا خليقة ضعيفة وخاطئة، نشعر بقوة وعظمة محبة الآب السماوي اللامتناهية لنا واحتضانه لكل واحدٍ منا، هذه المحبة التي هي أقوى وأعظم من الخطيئة والموت، حينها نصبح قادرين أن نكتشف، في مجريات حياتنا اليومية، وعلى بساطتها، معانٍ أغنى وأكمل للحياة والألم، وحينها نصبح قادرين أن نحوّل هذه اللحظات إلى ثمار توصلنا إلى الملكوت السماوي.
".. من أراد أن يتبعني، فليزهد في نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (متى 16: 24).
يسوع المصلوب يوجه هذه الكلمات لكل واحدٍ منا، نحن أتباعه وتلاميذه. لكنّ بعضنا يصاب بالخوف والفزع، عندما يقرأ هذه الكلمات ، وبخاصّة في زماننا هذا ، الذي به نرى أن الألم والمعاناة لا فائدة منهما، بأن الألم شيء مُضر.. مُهلك .. هذه النظرة التي تمنعنا في الكثير من الأحيان من فهم معنى الألم، تمنعنا بالتالي من فهم معنى حياتنا المسيحية.
"تعالوا إليّ جميعاً أيها المرهقون المثقلون، وأنا أريحكم . احملوا نيري وتتلمذوا لي فإني وديع متواضع القلب، تجدوا الراحة لنفوسكم، لأن نيري لطيف وحملي خفيف" (متى 11: 28-30).
نعم .. إن صليب المسيح لا يُضعفنا ولا يُحبطنا، لكن على العكس، فمن الصليب نستمد قوة تتجدد فينا كل يوم، هذه القوة هي التي نراها تشع دائماً في سير القديسين ، هذه القوة هي التي أغنت ورافقت الكنيسة على مدى التاريخ.
في هذا الأسبوع المقدس لنثق بيسوع المصلوب، بيسوع القائم من القبر.. لنضع حياتنا بين يديه بكل ثقة، كما وضع هو حياته بين يدي أبيه السماوي.