قادش برنيع
"قادش" كلمة سامية معناها "مقدس". و"قادش برنيع" معناها مدينة "برنيع المقدسة"، وهي واحة كبيرة في شمالي شبه جزيرة سينا.
(1)- موقعها: كانت واحة قادش برنيع تشمل منطقة كبيرة بها أربعة عيون في مساحة يبلغ نصف قطرها اثني عشر ميلاً، وهذه العيون هي: "عين قديس"، و"عين الجديرات" وهي أكبرها وتعطي نحو 10000 جالون من الماء في الساعة، وعين القصيمة (أو القسيمة) وعين "المويلح" (بالترتيب من الشرق إلى الغرب). وكانت هذه الواحة تقع على بعد نحو خمسين ميلاً إلى الجنوب الغربي من بئر سبع، ونحو خمسين ميلاً من ساحل البحر المتوسط، وعلى بعد نحو 66 ميلاً من الطرف الجنوبي للبحر الميت. وحيث أن "عين قديس" تحتفظ بالاسم القديم "قادش"، فقد ظنها بعض العلماء أنها هي موقع "قادش برنيع". ولكنها "عين" أصغر مما كان يكفي لإقامة كل جماعة بني إسرائيل، لذلك يرى الأكثرون أن موقعها كان في "عين الجديرات" لأنها أكبر العيون بين خليج السويس وبئر سبع. وتوجد بها أطلال حصن من عهد مملكة يهوذا.
واسم "قادش" أي "مقدس" اسم ملائم لموقع به كل هذه الينابيع من المياه في منطقة صحراوية، فليس غير "الله" يستطيع أن يفجِّر هذه الينابيع في البرية (مز 104: 10). ولا يُعلم تماماً معنى كلمة "برنيع"، وإن كان البعض يرون أنها قد تعني "التيه" لأنه هناك حكم الله على بني إسرائيل بالتجوال في البرية أربعين سنة عقاباً لهم على تمردهم، إلى أن يفنى الجيل الذي خرج من أرض مصر، من ابن عشرين سنة فما فوق.
وكانت قادش برنيع تقع على حدود النقب وبرية سيناء، في نقطة يتفرع عندها الطريق القادم من بئر سبع إلى ثلاث طرق، الطريق الغربي الذي يسير مع وادي العريش حتى ساحل البحر المتوسط، والطريق الأوسط الذي يسير جنوباً إلى مصر، والطريق الشرقي الذي سرعان ما يتجه جنوباً إلى خليج العقبة.
(2) - تاريخها: ترد أول إشارة إليها في الكتاب المقدس في سفر التكوين حيث نقرأ أن كدر لعومر ملك عيلام والملوك الذين كانوا معه في حربهم ضد ملك سدوم وحلفائه، "رجعوا وجاءوا إلى عين مشفاط التي هي "قادش" (تك 14: 7)، فكانت آخر ما وصلوا إليه غرباً في غزوهم لأدوم وسيناء لما بها من مناجم النحاس. و"عين مشفاط" معناها "عين القضاء" حيث كان الموقع يعتبر موقعاً مقدساً (قادش) تُسوى فيه القضايا القانونية.
ويقول موسى عن "قادش" لملك آدوم أنها "مدينة في طرف تخومك" (عد 20: 16). وتدل الكشوف الأركيولوجية على أن الموقع كان مأهولاً في العصر الحجري المتأخر وبداية العصر البرونزي.
وعندما انتقل إبراهيم من بلوطات ممرا إلى أرض الجنوب، "سكن بين قادش وشور وتغرب في جرار" (تك 20: 1) حيث وجد مرعى وماء لما شيته. وكان أزهى عصور المنطقة وأكثرها سكاناً هو منتصف العصر البرونزي الأول المعاصر لزمن إبراهيم. وعندما أذلت ساراي امرأة أبرام جاريتها هاجر، فهربت بابنها إسماعيل إلى "عين الماء في البرية ... التي في طريق شور "حيث وجدها ملاك الرب "لذلك دعيت البئر بئر لحي رئي. ها هي بين قادش وبارد" (تك 16: 6-14).
وقد قاسمت قادش برنيع، جبل سيناء في الأهمية بالنسبة لما جري فيها من أحداث لبني إسرائيل في تجوالهم في البرية رغم أن العلماء يختلفون كثيراً في تحديد المدة التي قضاها بنو إسرائيل في قادش. ففي سفر التثنية لخص موسى رحلة الأحد عشر يوماً من حوريب إلى قادش برنيع (تث 1: 2) بالقول: ثم ارتحلنا من حوريب وسلكنا كل ذلك القفر العظيم المخوف الذي رأيتم في طريق جبل الأموريين كما أمرنا الرب إلهنا، وجئنا إلى قادش برنيع" (تث 1: 19). ومازالت الرحلة من جبل حوريب إلى قادش برنيع تستغرق (كما ذكر "أهاروني" العالم اليهودي) أحد عشر يوماً.
وأصبحت قادش برنيع منذ ذلك الوقت القاعدة الرئيسية لبني إسرائيل خلال تجوالهم في البرية، فقد أرسل موسى الجواسيس إلى أرض كنعان من قادش برنيع (تث 1: 20-25)، وإليها عاد الجواسيس بعد استكشاف الأرض (عد 13: 25-26). كما حدث تمرد بني إسرائيل على موسى وهرون لأنه لم يكن ماء للجماعة (عد 20: 2)، وأمر الرب موسى وهرون أن يكلما الصخرة لتعطي ماء، ولكن موسى رفع عصاه وضرب الصخرة بعصاه مرتين، فخرج ماء غزير، ولكن الرب غضب على موسى وهرون وقال لهما إنهما لن يُدخلا الشعب إلى أرض الموعد، ولذلك تسمى ينابيع قادش برنيع "ماء مريبة قادش في برية صين" (عد 27: 14، تث 32: 51). "فمريبة" معناها "مخاصمة"، كما تسمى مياه "مريبوث قادش" (حز 47: 19)، و"مياه مريبة قادش" (حز 48: 28).
وفي قادش برنيع ماتت مريم ودُفنت هناك (عد 20: 1)، وفي جبل هور بالقرب من قادش مات هرون ودُفن (عد 20: 22-29).
ومن قادش برنيع أرسل موسى رسلاً إلى ملك أدوم ليأذن لهم بمجرد المرور في أرضه، ولكن ملك أدوم أنكر عليهم ذلك (عد 20: 14-21، قض 11: 16و17). وكانت قادش على طرف تخوم أدوم، إذ كانت أرض أدوم تمتد غرباً إلى ذلك الموقع، كما كانت أرض إسرائيل (فيما بعد) تمتد جنوباً إلى ما وراء قادش برنيع (عد 34: 1-5).
وقد ذكرت "قادش" كأول موقع بعد عقبة عقروبيم، والأرجح أن المقصود هنا "عين الجديرات"، وبعدها "حصر أدَّار" التي يُظن أنها "عين قديس"، ثم "عصمون" التي يُظن أنها عين "مويلح"، وكل هذه تقع في مجرى وادي العريش (نهر مصر - انظر أيضاً يش 15: 30)، ولكن "حصر أدَّار" تذكر على أنها كانت قد أصبحت مدينتين.
وقد استولى يشوع على قادش برنيع (يش 10: 41). وفي الجلجال جاء كالب بن يفنة إلى يشوع، وذكَّره بكلام الرب لموسى من جهة كالب في "قادش برنيع"، بعد أن كان موسى قد أرسله من "قادش برنيع" لاستكشاف الأرض، فرجع إليه بكلام عما في قلبه (يش 14: 6-15). كما يذكر يفتاح في رسالته لملك بني عمون أنه "عند صعود إسرائيل من مصر، سار في القفر إلى بحر سوف وأتى إلى قادش" (قض 11: 16و17).