القصبة
القصبة تشير إلى المُلك والسلطان،
فقديماً كان الملك يمسك فى يده قضيباً من ذهب يستخدمه فى إعلان رأيه، فقد
جاء فى سفر أستير عن الملك أحشويروش:
" كُلَّ رَجُلٍ دَخَلَ أَوِ
امْرَأَةٍ إِلَى الْمَلِكِ إِلَى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ وَلَمْ يُدْعَ
فَشَرِيعَتُهُ وَاحِدَةٌ أَنْ يُقْتَلَ إِلاَّ الَّذِي يَمُدُّ لَهُ
الْمَلِكُ قَضِيبَ الذَّهَبِ فَإِنَّهُ يَحْيَا " (أس4: 11)، " فَلَمَّا
رَأَى الْمَلِكُ أَسْتِيرَ الْمَلِكَةَ وَاقِفَةً فِي الدَّارِ نَالَتْ
نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ فَمَدَّ الْمَلِكُ لأَسْتِيرَ قَضِيبَ الذَّهَبِ
الَّذِي بِيَدِهِ فَدَنَتْ أَسْتِيرُ وَلَمَسَتْ رَأْسَ الْقَضِيبِ " (أس5:
2).
فإن كانت القصبة ترمز إلى المُلك،
فيكون وضعها فى يد المخلص (مت30:7)، إشارة إلى انتقال المُلك من أيدى
اليهود إلى المسيح، وانتهاء مملكة اليهود لكي تبدأ مملكة المسيح فى
الانتشار.
وقيل إن القصبة هى أفضل وسيلة
لسحق رؤوس الحيات، وهذا يعني: إنَّ رب المجد قد جاء ليقتل الحية القديمة،
التي هى إبليس ويشفينا من سُمها المميت، ولكى يعطينا سلطاناً أن نسحقها
بأقدامنا، وتأكيـداً لهذا قال لتلاميذه بعد القيامة:
" وَهَذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ
الْمُؤْمِنِينَ يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي وَيَتَكَلَّمُونَ
بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ وَإِنْ شَرِبُوا
شَيْئاًمُمِيتاً لاَيَضُرُّهُمْ وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى
فَيَبْرَأُونَ " (مر16: 17،18) .
لقد أراد الأشرار أن يستهزئوا به،
ظانين أن قصبته ومملكته ضعيفة ولا قيمة لها وسوف تزول سريعاً، لكنّهم
أخطأوا لأنَّ كرسيّه إلى دهر الدهور وقضيب استقامة هو قضيب ملكه (مز45 :6).
الجثو أمامه
كانت العادة القديمة أن يجرى
الناس أمام الملوك، ولهذا عندما طلب بنوا إسرائيل أن يكون لهم ملك كسائر
الأمم، قال صموئيل النبيّ للشعب عن الملك الذى يريدونه " هَذَا يَكُونُ
قَضَاءُ الْمَلِكِ الَّذِي يَمْلِكُ عَلَيْكُمْ: يَأْخُذُ بَنِيكُمْ
وَيَجْعَلُهُمْ لِنَفْسِهِ, لِمَرَاكِبِهِ وَفُرْسَانِه فَيَرْكُضُونَ
أَمَامَ مَرَاكِبِهِ " (1صم11:8)، وقيل عن أبشالوم ابن داود أنَّه "
اتَّخَذَ مَرْكَبَةً وَخَيْلاً وَخَمْسِينَ رَجُلاً يَجْرُونَ قُدَّامَهُ "
(2صم1:15).
أمَّا جثو العسكر أمام المسيح
(مت29:27)، فكان إعلاناً عن رجوع الأمم الوثنية للمسيح، وسجودهم له عوضاً
عن سجودهم للأوثان، وهذا السجود قد تحقق فى بيت لحم، عندما سجد المجوس
للمسيح، وهو لا يزال طفلاً مضطجعاً فى مذود للبهائم وملفوفاً بخرق، يقول
الكتاب: " وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ وَرَأَوُا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ
أُمِّهِ فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا
لَهُ هَدَايَا: ذَهَباً وَلُبَاناً وَمُرّاً.
إن مجئ المجوس ـ وهم طغمة كهنوتية
وعلماء فى الفلك ـ إلى بيت لحم وسجودهم لطفل، ليس هناك ما يدل على عظمته
كسائر أولاد الملوك والأمراء، وتقديم الهدايا له يعنى:
اعتراف علماء اللاهوت القدامى
بالمسيح، وجثو المعرفة أمام البراءة، وسجود الكهنة أمام الكاهن الأعظم،
وارتماء الثروة عند أقدام الفقر!!